الطريقة التجانية بقلم العلامة احمد ميرغني التجاني
إن الطريقة التجانية طريقة علم ومعرفة وعمل وإخلاص وكل المتمسكين بها من أجلة العلماء الذين هم المرجع فى الإسلام وعلومه لمسلمى بلادهم وهذه الطريقة عبارة عن الوردين والوظيفة وذكر الجمعة.
وما عدا هذا مما اشتملت عليه كتبها فهو من التصوف وليس بداخل فى مسمّى الطريقة وهذا منقول عن جميع أئمة هذه الطريقة الشريفة بدون استثناء(1).
وقد تعرضت الطريقة التجانية لحملات جائرة من الخصوم والمنكرين فى مسائل لم يفهموها الفهم الصحيح ولم يسألوا عنها علماء الطريقة ليشرحوها لهم بل سارعوا إلى تكفير التجانيين وإخراجهم من دائرة أهل الإسلام بسبب الفهم السقيم قال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوماً بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين}.
ومن جملة هذه المسائل رؤية النبى صلي الله عليه و سلم فى اليقظة وفضل صلاة الفاتح وبشارات الطريق والمرتبة العالية فى الولاية التى أكرم الله بها الشيخ التجانى رضي الله عنه.
وقال بعضهم إنّ مسألة واحدة إن ثبتت ثبتت الطريقة كلها وإن بطلت بطلت الطريقة كلها وهى مسألة رؤية اليقظة ظناً منه أنها لا تثبت وليس لها دليل شرعى.. والشيخ التجانى رضي الله عنه ذكر أنه رأى النبى صلي الله عليه و سلم يقظة لا مناماً وأعطاه هذه الطريقة بما فيها من الفضائل وهو عدل ثقة والقاعدة المشهورة عند العلماء أن العدل إذا أخبر بأمر جائز وجب تصديقه وبهذا قامت الشريعة.
إن بعض من تقّيد بالحس أنكر الاجتماع بالنبى صلي الله عليه و سلم فى اليقظة والتلقى عنه وليس ثمة ما يحيل ذلك لا عقلاً ولا شرعاً ولا ريب أن الحقائق لا تزال حقائق وأهلها متمتعين بها رغم إنكار المنكر وليس من لم ير بحجة على من رأى فلو شهد ألف عدل أنهم لم يروا الهلال مثلاً وشهد عدلان أنهما رأياه فهما الحجة على من لم ير وتمضى أحكام رؤيتها عليهم وقد أفرد الحافظ السيوطى وغيره ذلك بالتأليف ولنا كتاب خاص برؤية النبى صلي الله عليه و سلم فى اليقظة أتينا فيه بالحجج البينة عليها ولا يوجد مسلم يجهل أن الحق تبارك وتعالى إذا أراد أن يغدق فضله على أحد بأن يريه الذات المحمدية الشريفة ويمنّ عليه بالتلقى عنها ما يصح أن يتلقى من معارف وأذواق فإنه سبحانه لا يستشير أحداً من أولئك المنكرين فى إنعامه حتى يكون سبحانه لا يتفضل على أحد إلا بما يعلمون {والله يختص برحمته من يشاء والله ذو الفضل العظيم}.
وليس بخاف على أهل العلم أن حكم ما يلقى في تلك اليقظة هو حكم ما يلقى في النوم لا بدّ أن يعرض على الشريعة ولا يعول إلا على ما وافقها - وغيره له تأويل(1).
وروى مسلم فى صحيحه حدثنا سويد بن سعيد حدثنا على بن مسهر قال: (سمعت أنا وحمزة الزيات من أبان بن أبى عياش نحواً من ألف حديث قال علىٌّ فلقيت حمزة فأخبرني أنه رأى النبى صلي الله عليه و سلم في المنام فعرض عليه ما سمع من أبان فما عرف منها إِلاّ شيئاً يسيراً خمسة أو ستة).
قال النووى: قال القاضى عياض رحمه الله هذا ومثله استئناس واستظهار على ما تقرّر من ضعف أبان لا أنه يقطع بأمر المنام ولا أنه تبطل بسببه سنة ثبتت ولا تثبت به سنة لم تثبت وهذا بإجماع العلماء هذا كلام القاضى وكذا قاله غيره من أصحابنا وغيرهم فنقلوا الاتفاق على أنه لا يغيَّر بسبب ما يراه النائم ما تقرّر فى الشرع وليس هذا الذي ذكرناه مخالفا لقوله صلي الله عليه و سلم: (من رانى فى المنام فقد رآنى) فإِنّ معنى الحديث أنّ رؤيته صحيحة وليست من أضغاث الأحلام وتلبيس الشيطان ولكن لا يجوز إثبات حكم شرعى به لأَنّ حالة النوم ليست حالة ضبط وتحقيق لما يسمعه الرائى وقد اتفقوا على أَنَّ من شرط من تقبل روايته وشهادته أن يكون متيقظاً لا مغفلاً ولاسيئ الحفظ ولا كثير الخطأ ولا مختل الضبط والنائم ليس بهذه الصفة فلم تقبل روايته لاختلال ضبطه هذا كله فى منام يتعلق بإثبات حكم على خلاف ما يحكم به الولاة.
أما اذا رأى النبى صلي الله عليه و سلم يأمره بفعل ما هو مندوب إليه أو ينهاه عن منهي عنه أو يرشده الي فعل مصلحة فلا خلاف في استحباب العمل علي وفقه لأنَّ ذلك ليس حكماً بمجرد المنام بل بما تقرَّر من أصل ذلك الشىء والله أعلم(2).
فالشيخ التجانى رضي الله عنه رأى النبى صلي الله عليه وسلم فى اليقظة وأعطاه هذا الورد وهو الاستغفار والصلاة على النبى ولا إله إلا الله .. وهذا على حسب كلام النووي رحمه الله لاخلاف فى استحباب العمل على وفقه .. إذن فلا حرج على من ذكر هذا الورد وصدق بالفضل الخـاص الذى أخبر به الشيخ التجانى عن النبي صلي الله عليه و سلم.
واعلم أنَّ هذا السيّد الجليل ما ذكر فيما أعطاه الله شيئاً إلا من قبيل الجائز الذى لا يحيله العقل ولا يأباه النقل وقد أعطى كثيراً من أوليائه العظام مما لا تدركه الأفهام وهذا الفضل العظيم تحدّثوا به وغاية ما ذكره الشيخ التجاني رضي الله عنه أنَّ الله أعطاه ما أعطاه وزاده على ذلك(3).
إنّ من أصول أهل السنة والجماعة التبشير بالخير ورجاء القبول والإجابة من الله تعالى فى جميع أعمالهم وما ورد فى الطريقة التجانية من بشارات الشيخ التجانى لأتباعه بما تلقاه من حضرة المصطفى صلي الله عليه و سلم ليس ضماناً وإنما هو تبشير وقد قيّده هو وجميع علماء طريقته بقيد هو الوفاء بشروط هذه الطريقة فهو ضمان مشروط وليس ضماناً مطلقاً بالمعنى الذى يصوّره المتهجمون على الشيخ وإنما هو تبشير فقط لا أكثر ولا أقل فمن التزم طريق الاستقامة ولم ينحرف عنه بشَّره المؤمنون من دون أن يقطعوا فى أمره بشىء وذلك مطابق لقوله عليه الصلاة والسلام (سدّدوا وقاربوا وأبشروا) الحديث .
ولقوله تعالى: {إنَّ الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة أن لا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التى كنتم توعدون نحن أولياؤكم فى الحياة الدنيا وفى الآخرة}(1).
وأما المرتبة العالية فى الولاية التى أكرم الله بها الشيخ التجانى رضي الله عنه وكونه الممد لسائر الأولياء والأقطاب وأنه خاتم الولاية المحمدية فإنّ ما دون النبوة والصحبة جائز يعطيه الله لمن يشاء من خلقه.
وفى نسيم الرياض لشهاب الدين الخفاجى عند شرحه لحديث (خيركم قرنى ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم) بعد كلام فلا ينافيه حديث (أمتى كالمطر لا يدرى الخير فى أوله أم فى آخره) فإنّ هذا من وادٍ وذلك من وادٍ آخر وهذا إشارة إلى أنه قد يجىء في الأمة من ينفع الناس نفعاً عظيماً لم يتيسّر لغيره ممن سبقه وهذا بالنظر لأفراد مخصوصة وذلك بالنظر لمجموع العصر وشتان ما بينهما ولذا عبّر بالقرن أهـ(2).
وكتب فضيلة الأستاذ السيِّد محمد الحافظ التجانى كلمة بيَّن فيها حقيقة ما يعتقده السادة التجانية فى الأمور التى دار فيها النقاش بين بعض خلفاء الطريق بالشام وخصومهم. وأوضح أنّ جميع ما ساقه أولئك القوم مما يوجد فى كتب الطريقة مما يوهم - عند من لم يعرف حقيقة هذه الطريقة العلية - غير ما عليه أهل السنة والجماعة رضوان الله عليهم - لا يحمله أهل الطريق على الوجه المخالف ويوجبون تأويله على مقتضى أصول أهل الحق من كمل أهل الله عز وجل وهذا الذى يوجبه حسن الظن فى أولئك العلماء الأئمة الذين ما عرف عنهم إلا متابعة الرسول صلي الله عليه و سلم. وقد وقع مثل تلك الموهمات عن كثير من الصالحين وإنما ترجع إلى اصطلاح خاص لدى السادة الصوفية يجب ردّ مثل هذه المشتبهات إليه أهـ(3).
يقول الإمام الشهيد حسن البنا رحمه الله تعالى متحدثاً عن السيّد محمد الحافظ التجانى رضي الله عنه.
تعرفت فى هذه الفترة - يعنى سنة 1928م - إلى السيِّد محمد الحافظ التجانى الذى جاء إلى الإسماعلية خصيصاً ليحذر من دسائس البهائيين ومكايدهم وقد كان لهم فى هذا الوقت دعوة ودعاة فى هذه النواحى تقوى وتشتد وتنتشر فأبلى البلاء الحسن فى تحذير الناس منهم وكشف خدعهم وأباطيلهم والرد عليهم وقد أعجبت بما رأيته من علمه وفضله ودينه وغيرته وناقشته طويلاً وكنا نسهر ليالى عدة فيما يؤخذ على التجانية من غلو ومبالغة ومخالفات فكان يؤول ما يحتمل التأويل وينفى ما يصطدم بالعقيدة الإسلامية الصافية ويبرأ منه أشد البراءة أهـ(1).
والشاهد فى هذا أن الشيخ محمد الحافظ وغيره من شيوخ الطريقة التجانية لا يقبلون أصلاً شيئاً يصطدم بالعقيدة الإسلامية الصافية.
والقاعدة التى يبنى عليها الأتباع بين أهل الطرق قاطبة هى الدين الحق لا سواه فما زال الكل فى دائرة الإسلام (2).
التعريف بمؤسس الطريقة
اسمه ونسبه وكنيته:
هو الولى الشهير إمام العارفين وأحد أكابر الأولياء المقرّبين الفقيه الصوفى العلامة الدراكة الجامع بين الشريعة والحقيقة أبو العباس أحمد التجانى شيخ ومؤسس الطريقة الأحمدية التجانية.
(والتِّجانى) بتشديد التاء مكسورة وتخفيف الجيم أو تشديدها ولا ياء بين التاء والجيم كما هو مضبوط فى البغية نسبة إلى قبيلة معروفة ببلادهم يقال لها (تجَانة) وهم أخوال الشيخ غلبت عليه النسبة إليهم(1).
(والتجانية) طريقة صوفية أسسها الشيخ التجانى على الكتاب والسنة ولها أصل وهدف ووسيلة فأصلها التعلق بالله تعالى قلباً وقالباً وهدفها معرفة الله تعالى ووسيلتها ذكر الله وهذه الوسيلة هى التى يسميها أهل الطريقة الأوراد التجانية(2).
يرجع نسب الشيخ التجانى إلى رسول الله صلي الله عليه و سلم إذ أنه فرع تلك الدوحة الطاهرة وذلك الأصل القدسى الأطهر جمع بين شرف الجرثومة والدين والعلم والعمل واليقين.
فهو أبو العباس أحمد بن محمد الملقب بابن عمر لشدته فى دينه بن المختار بن أحمد بن محمد (وهو أول من نزل من هؤلاء السادة بعين ماضى) بن سالم بن أبى العبد بن سالم بن أحمد الملقب بالعلوانى بن أحمد بن على بن عبد الله بن العباس بن عبد الجبار بن إدريس بن إدريس بن إسحاق بن زين العابدين بن أحمد بن محمد النفس الزكية بن عبد الله بن الحسن المثنى بن الحسن السبط بن على بن أبى طالب كرم الله وجهه من السيِّدة فاطمة الزهراء سيِّدة نساء أهل الجنة ابنة خير الخلق وسيِّدهم رسول الله سيدنا محمد صلي الله عليه و سلم وعلى آله وصحبه والمسلمين(3).
ولد الشيخ التجانى فى بلدة عين ماضى جنوب شرق مدينة وهران فى الجزائر سنة 1150هـ وحفظ القرآن برواية نافع وعمره سبع سنوات على الشيخ أبى عبد الله محمد بن حمو التجانى وقرأ أيضاً على الشيخ عيسى بوعكاز المضاوى ثم اشتغل بطلب العلوم الأصولية والفروعية والأدبية على عدد من الشيوخ منهم الشيخ المبروك ابن عافية التجانى واستمر فى طلب هذه العلوم حتى رأس فيها وحصل أسرار معانيها وأقام مدَّة يدرِّس ويفتى ثم مال بعد ذلك إلى طلب طريق الصوفية والمباحثة فى علوم الأسرار والأحوال والمقامات والعلل وله أجوبة فى فنون العلم حرّر فيها المعقول والمنقول ومن شيوخه الذين أخذ عنهم:
1- فى فاس عن الشيخ العارف بالله الطيب بن محمد الوزانى المتوفى فى سنة 1180هـ.
2- فى جبل الزبيب عن الشيخ العارف بالله محمد بن الحسن الوانجلى المتوفى سنة 1188هـ.
3- فى فاس عن الشيخ العارف بالله عبد الله بن العربى بن أحمد الأندلسى المتوفى سنة 1188هـ.
4- عن الشيخ العارف بالله محمد بن عبد الله التزانى.
5- فى تازة عن الشيخ العارف بالله أحمد الطواش التازى المتوفى سنة 1204هـ.
6- فى زواوة عن الشيخ العارف بالله محمد بن عبد الرحمن الأزهرى المتوفى سنة 1208هـ.
7- فى تونس عن الشيخ العارف بالله عبد الصمد الرحوى.
8- فى القاهرة عن الشيخ العارف بالله محمود الكردى.
9- فى مكة عن الشيخ العارف بالله أحمد بن عبد الله الهندى المتوفى سنة 1187هـ.
10- فى المدينة المنورة عن الشيخ العارف بالله محمد بن عبد الكريم السمان.
وقد أخذ الطريقة الشاذلية عن شيوخه الخمس الأوائل وأخذ الخلوتية عن الباقين كما أنه أخذ الطريقة القادرية عن بعض مقدِّميها فى بلاد الجزائر وسنده فى التصوف مذكور فى كتاب جواهر المعانى وغيره من كتب الطريقة: عن الشيخ محمود الكردى عن شيخ الإسلام محمد الحفنى عن الشيخ مصطفى بن كمال الدين الصدِّيقى عن الشيخ عبد اللطيف الخلوتى بإسناده المعروف.
انقطع رضي الله عنه للعبادة وقيام الليل وتلاوة القرآن فى بلدة أبى سمغون فى الجزائر وفى سنة 1196هـ وقع له الفتح الأكبر وأخذ طريقته الخاصة به عن رسول الله صلي الله عليه و سلم وأذنه بتربية الخلق على العموم والإطلاق واشتهرت طريقته وانتشرت وطبقت الآفاق.
رحل إلى مدينة فاس واستوطنها وبنى زاويته المشهورة بها وأقام فى الإرشاد إلى أن انتقل إلى رحمة ربه فى سنة 1230هـ وكانت جنازته جنازة عظيمة خرج فيها العلماء والصلحاء وجميع أهل فاس وصلى عليه المفتى الأعظم الشيخ العلامة محمد بن إبراهيم الدكالى.
وذكر الشيخ العلامة الجليل محمد مخلوف فى ترجمة الشيخ التجانى رضي الله عنه ما نصه:
كان يدرس ويفتى وله أجوبة فى فنون العلم أبدى فيها وأعاد وحرّر المعقول والمنقـــول فأفاد وفى عام 1171هـ رحل لفاس وسمع فيها شيئاً من الحديث ولقى الشيخ الطــيب الـوزانى والشيـخ أحمد الصقلى ثم رحل لتلسمان وأقام بها يدرس الحديث والتفسير وغيرهما وحج سنة 1186هـ ومرّ بتونس وأقام بها مدة وفى طريقه للحج لقى أعلاماً وأفاد واستفاد واجتمع بكثير من العلماء الأخيار ورجع بعد حجه لفاس ثم رحل لتوات وأذن له فى التلقين فى سنة 1196هـ والحاصل أنه جليل القدر قدم فاس سنة 1213هـ واستطونها والسبب فى ذلك أنه كان الباى محمد بن عثمان صاحب وهران أزعجه من تلمسان إلى قرية أبى سمغون وحصل له بها الفتح وأقبل عليه أهلها ولما توفى الباى وتولى بعده ابنه عثمان وقع السعى له بالشيخ فبعث إلى أهل أبى سمغون بتهديدهم إن لم يخرجوه ولما بلغ الشيخ ذلك خرج مع بعض تلامذته وأولاده سالكاً طريق الصحراء حتى دخل فاس سنة 1213هـ وبعث رسوله إلى السلطان أبى الربيع سليمان يعلمه بأنه هاجر إليه من جور الترك ولما اجتمع به ورأى سمته ومشاركته فى العلوم أقبل عليه(1).
هذا ما ذكره الشيخ محمد مخلوف فى كتابه (شجرة النور الزكية فى طبقات المالكية) ونجد ترجمة الشيخ التجانى رضي الله عنه مذكورة أيضاً فى كتاب: (الشرب المحتضر من معين بعض أهل القرن الثالث عشر) للشيخ العلامة جعفر بن إدريس الكتانى وكذلك فى كتاب: (سلوة الأنفاس فى أعيان فاس) لشيخ المحدثين الشيخ محمد بن جعفر الكتانى وفى كتاب (اليواقيت الثمينة فى أعيان مذهب عالم المدينة) للشيخ محمد بشير ظافر المدنى وفى كتاب (الاستقصا فى أخبار المغرب الأقصى) للشيخ ابن ناصر الســلاوى وفى كتاب (حليــة البشر فى أعيان القرن الثالث عشر) للشيخ عبد الرزاق البيطار.
يقول الدكتور حسن إبراهيم حسن مدير جامعة أسيوط سابقاً: "ومن الفرق الصوفية التى كان لها أثر كبير فى نشر الإسلام فى إفريقية التجانية بتشديد الياء وكسر التــاء التى أنشأهــا أبو العباس أحمد بن محمد بن المختار بن سالم التجانى (1737-1815م) وكان أحد أهالى قرية عين ماضى ببلاد الجزائر وقد تنقل فى البلاد الإسلامية مثل تلمسان ومكة والمدينة والقاهرة وتتلمذ لشيوخها ثم أسس طريقة صوفية جديدة وقد رحل إلى الصحراء سنة (1782) ثم عاد إلى فاس سنة (1798م) واتخذها مركزاً لنشر دعوته وقضى الشطر الأكبر من حياته متنقلاً لتنظيم شئون طريقته ويسمى أتباع الطريقة التجانية "الأحباب" وقد حرّم عليهم الانتظام فى سلك طريقة أخرى ويقوم الذكر عندهم عادة على تلاوة وأدعية وصلوات وأوراد معينة فى أوقات مخصوصة من اليوم(1).
أصول الطريقة التجانية:
إن الأصل الذى أسس عليه الشيخ التجانى رضي الله عنه طريقته هو المحافظة على الشرع الشريف - علماً وعملاً- وترك المحرمات كلها والانفراد بهذا المشرب لأنَّ من انقطع لشىء أحسنه وكلّ مشارب أهل الله حق وهدى ونور.
وقال رضي الله عنه: إذا سمعتم عنى شيئاً فزنوه بميزان الشرع فإن وافق فاعملوا به وإن خالف فاتركوه.
فما ينسب إليه كذباً من تفضيل صلاة الفاتح على القرآن أو أنها من القرآن أو أنها من وحى النبوة هو وأهل طريقته يبرأون منه والمعروف فى الطريقة أنها من الإلهام الجائز للأولياء.
ومن زعم أن أحداً يفضّـله على الصحابة أو أنهم يستمدون منه أو أن الرسول صلي الله عليه و سلم كتم شيئاً مما أمر بتبليغه فكل هذا كذب عليه ومن نسب إليه هذا القول فهو قول مردود والبداية والنهاية هى الشريعة لا وصول إلى الله إلا بها وعلى أساسها ومن خالف الشريعة وزعم أنه واصل فما وصل إلا إلى النار والقطيعة أعاذنا الله(2).
بداية الطرق ونهايتها العمل بالكتاب والسنة:
قال صلي الله عليه و سلم في الحديث الذى رواه أبو داود والترمذى: (إنّ العلماء ورثة الأنبياء وإن الأنبياء لم يورثوا ديناراً ولا درهماً ولكنهم ورثوا العلم فمن أخذه أخذ بحظ وافر).
ومن منة الله تعالى على الأمة المحمدية أنهم رضى الله عنهم لا يخلو الزمان منهم فقد صح عنه صلي الله عليه و سلم (لا تزال طائفة من أمتى ظاهرين على الحق حتى تقوم الساعة).
وقد أمرنا بتزكية نفوسنا وترويضها وتهذيبها قال تعالى: {ونفس وما سواها فألهما فجورها وتقواها قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها}.
وحثّنا صلي الله عليه و سلم على حسن الصحبة لما لها من الأثر الجميل فى التزكية وحدثنا حديث التائب الذى قتل مائة نفس ثم استشار عالماً فأشار عليه:
أن انطلق إلى أرض كذا وكذا فإنّ بها أناساً يعبدون الله فاعبد الله معهم ولا ترجع إلى أرضك فإنها أرض سوء فانطلق حتى إذا نصف الطريق أتاه الموت فاختصمت فيه ملائكة الرحمة وملائكة العذاب ثم كانت نهايته إلى الرحمة رواه البخارى ومسلم.
وقال صلي الله عليه و سلم: (إنما مثل الجليس الصالح وجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير فحامل المسك إما أن يحذيك وإما أن تبتاع منه وإما أن تجد منه ريحاً طيبة ونافخ الكير إما أن يحرق ثيابك وإما أن تجد منه ريحاً خبيثة).
والصحبة مراتب أعلاها صحبة الروح للروح وامتزاجهما فى عالم القداسة والصفاء اجتمعا على الله وتحابا بروح الله فى طاعته وسبيله.
هذا روح السنن المحمدى وهو الطريق إلى الله عز وجل الذى أجمع عليه أهل الله تبارك وتعالى العارفون وهو طريق القوم رضى الله عنهم يضمهم جميعاً فما خرج عنه منهم أحد وإن اختلف سيرهم فمنهم المسرع ومنهم المتمهل ومنهم من غلب عليه الجمال ومنهم من غلب عليه الجلال ومنهم الجامع إلى غير ذلك مما يرجع كله إلى أصل واحد.
هو طلب الله والفرار إليه عن كل ما سواه وكمال العبودية له تبارك وتعالى واستيفاء حقوق الربوبية.
وهذا مجمل كل طريق فى السير إلى الله عز وجل ومنها الطريقة التجانية ومن لم يكن على هذا المنهج فنسبته إلى الطريق باطلة.
ومن المعلوم لدى من له معرفة بطرق أهل الله أنّ منهم يربى بالجَلْوة بلا خَلْوة ومنهم من يربى بالخلوة ومنهم من يربى بالذكر السرى ومنهم من يربى بالذكر الجهرى ومن الناس من يصل بطريق الصلاة على النبى صلي الله عليه و سلم وكذلك الترقية قد تكون بنظرة أو توجه أو صيغة أو اسم أو جذبة أو أو أو إلى آخر ما هو المعروف وما من أصل أذن به شيخ أو سر إلا وهو فى هذا الطريق على أتمّ الوجوه ففيه اجتمعت مزايا كل طريق وانفرد بما هو خاص بأهله {ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم }.
والمريد إما أن يكون مريد تبرك وهذا غير مقيّد بشروط التربية أو مريد تربية وهذا لابدّ له من أن يتقيد بها شأن كل أمر لا يكمل فيه إلا من قام بمقتضياته.
وبما أن أهل كل شأن هم الحجة فيه فمما اتفق عليه أكابر أهل التربية فى سائر الطرق أن المريد الصادق يعتقد فى شيخه أنه أكمل المشايخ وأنّ طريقته أعلى الطرق فكيف بهذه الطريقة الجامعة(1).
إذن فالأصول التى قامت عليها الطريقة التجانية وغيرها من الطرق الصوفية هى العمل على وفق الكتاب والسنة الشريفة والمحافظة على الأوارد والأذكار والتقيد بصحبة الصالحين والتأدب بآداب أهل الله تعالى.
قال النصراباذى: أصل التصوف ملازمة الكتاب والسنة وترك الأهواء والبدع ورؤية أعذار الخلق والمداومة على الأوراد وترك ارتكاب الرخص والتأويلات(2).
وقال فى الطرائف والتلائد: وطريق الصوفية مبناها على سيرته صلي الله عليه و سلم وسير الصحابة رضوان الله عليهم حذو القذة بالقذة ومعاملتهم مع المشايخ معاملة الصحابة مع رسول الله صلي الله عليه و سلم(3).
والأولياء على قدم الأنبياء فكل ولى على قدم نبى ولا يلزم فى الأنبياء أن يكونوا على شريعة واحدة فى الفروع وإن كانوا متفقين فى أصل التوحيد وكذلك الأولياء متفقون فى اتباع سيِّدنا محمد صلي الله عليه و سلم وإن كانوا مختلفين فى المشارب(4).
ولا يفهم الصوفى لسلوك الطريقة معنى إلا صحبة قوم صالحين يؤمنون بالله ويتقونه قد جعل لهم الرحمن وداً وظهرت لهم آثار محبة الله عز وجل (فإذا أحببته كنت سمعه الذى يسمع به وبصره الذى يبصر به ويده التى يبطش بها ورجله التى يمشى بها ولئن سألنى لأعطينّه ولئن استعاذنى لأعيذنه) رواه البخارى، كما ظهرت عليهم آثار معية الله الخاصة بالذاكرين الله كثيراً والذاكرات يقول الله (أنا عند ظن عبدى وأنا معه إن ذكرنى) فقوم هذه صفتهم يصدق عليهم (هم القوم لا يشقى بهم جليسهم) ولو كان جليسهم (ليس منهم إنما جاء لحاجة) رواه البخارى ، ولو كانت صفة الجليس أنه (عبد خطاء فجلس معهم) رواه مسلم(5).
فالطريقة التجانية ليست ببدع فى الطرق ولم تخرج عن إطار الصوفية العام ومنهجهم وإنما سارت على رسمهم ونسجت على منوالهم والتزمت أصول القوم الأوائل التى أولها التوبة النصوح وتجديد العهد مع الله تعالى ونهايتها المشاهدة والمعرفة الكاملة.. إلا أنها وضعت شروطاً صارمة وملزمة لكل من أراد الانضواء تحت لوائها فلا إذن فى هذه الطريقة إلا على شروطها ومن فرط فى شرط من هذه الشروط الأساسية ارتفع عنه الإذن فى الحال وخرج من دائرة الطريقة.
وإذا نظرنا فى هذه الشروط نجد أن الشيوخ قد أجمعوا عليها فى سائر طرقهم ولكن نسبة لأنّ الطريقة التجانية مبنيّة على قاعدة النذر صار الالتزام بشروطها أمراً حتمياً لا ينبغى التهاون به.. وأهم هذه الشروط وآكدها هو عدم زيارة الأولياء الأحياء والأموات.
وقد نص أكابر أهل التربية فى كل طريق على ذلك فذكره سيِّدى محى الدين ابن العربى وسيِّدى على الخواص وابن حجر الهيثمى والشعرانى والشيخ زروق والشيخ السمنـودى والدردير والشريشى وابن البنا السرقسطى وابن عجيبة وسيِّدى عبد العزيز الدباغ والشيخ الكنتى والإمام الفاسى والشيخ محمد بن عبد الله الخانى الخالدى النقشبندى وغيرهم من سائر الطرق فهو أمر متفق عليه فيما بينهم.
وليس ذلك الاقتصار إلا أدباً من آداب أهل التربية وذلك أن الشيخ هو الطبيب الحق الذى أطلعه الله على مواطن النفع المقسومة للمريد فيشغله بزيارة من علم من طريق التعريف الإلهى الثابت أنّ الله قضى له المنفعة على يديه ذكره العارف الشعرانى.. وقد أذن الشيخ التجانى رضي الله عنه لأصحابه إذناً عاماً فى زيارة أصحاب النبى صلي الله عليه و سلم والإخوان من طريقته وممّا لا يحتاج لذكر أن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام أولى من غيرهم بالزيارة والاستمداد(1).
شروط الطريقة التجانية:
1- المحافظة على الأمور الشرعية فيقوم بما فرض الله عليه وينتهى عما حرم الله ظاهراً وباطناً وقد قال الشيخ التجانى لأصحابه:
إذا سمعتم عنى شيئاً فزنوه بميزان الشرع فإن وافق فاعملوا به وإن خالف فاتركوه. أهـ.
أى هو مكذوب على فلم يبق لمنكر موضع للإنكار أن أنصف ولا عبرة بغير المنصف.
وشدد رضي الله عنه فى بر الوالدين أحياءً وأمواتاً.. والمحافظة على الصلوات الخمس فى أوقاتها وفى الجماعة إن أمكن ويقرأ البسملة فى السرية والجهرية ولا ينقص عن ثلاث تسبيحات فى الركوع والسجود يقول فى الركوع سبحان ربى العظيم وبحمده- ثلاثاً - وفى السجود سبحان ربى الأعلى وبحمده - ثلاثاً - ولا يصلى خلف من ينتقص فى صلاته فى الركوع والسجود وكذلك من يعادى أولياء الله ويقع فى أعراضهم وخصوصاً الشيخ التجانى رضي الله عنه لأن من يغتاب المسلمين فاسق فكيف بالأولياء؟!!
2- الانفراد بهذه الطريقة طول الحياة لأنّ من انقطع لشىء أحسنه.
3- ومن لوازم الانفراد بالطريقة ومشربها أن يكتفى بزيارة من أذن له شيخه فى زيارته من الأولياء الأحياء وقد حبّب رضي الله عنه زيارة أصحاب رسول الله صلي الله عليه و سلم وزيارة أصحاب الشيخ التجانى مع احترام جميع أولياء الله ومحبتهم والاعتقاد فى أن الله يكرمهم أحياءً وأمواتاً.
ومثل هذا الاكتفاء فى الزيارة كرجل أبوه غنى وعمه غنى فاكتفى فى مطالبه كلها أن يطلبها بواسطة أبيه مع احترامه لعمه ومحبته له وأما العوام فيزورهم لله ما شاء.
4- دوام محبة أولياء الله قاطبة وعدم بغض أحد منهم أو سبَّه خصوصاً الشيخ التجانى رضي الله عنه.
5- الاعتقاد والسلامة من الانتقاد على أحد من أولياء الله وخصوصاً الشيخ التجانى رضي الله عنه.
6- عدم الأمن من مكر الله عز وجل فيدوم خوفه من الله فإنه لا يعلم الحالة التى يختم له بها ومن الأمن من مكر الله أى من عقابه أن يلقى بنفسه فى المعصية اتكالاً على نسبة أو نسب أو عفو الله أو شفاعة فإنّ ذلك غير مضمون له.
7- مجانبة المنتقدين على أهل الله قاطبة خصوصاً المنتقدين على الشيخ التجانى رضي الله عنه.
8- احترام كل من كان منتسباً إلى الشيخ خصوصاً أهل الخصوصية من ظهرت عليهم مزايا الصالحين.
9- عدم المقاطعة بينه وبين الخلق خصوصاً إخوانه فى الطريقة (صِل من قطعك وأعط من حرمك واعف عمن ظلمك وأحسن إلى من أساء إليك).
10- عدم التصدر لإعطاء الورد من غير إذن صحيح بالإعطاء.
11- الاجتماع للوظيفة والهيللة.
12- أن لا تقرأ جوهرة الكمال إلا على شروطها وهى المكان الطاهر الذى يسع ستة أشخاص والطهارة المائية فيكون مستنجياً بالماء متوضئاً فإن كان متيمماً أو كان مستجمراً لم يستنج بالماء أو لم تتوفر شروط الطهارة فى المكان أو الثوب أو البدن فيقرأ بدل الجوهرة عشرين من صلاة الفاتح وكذلك إن كان على ظهر دابة أو سفينة.
13- مداومة الورد بلا انقطاع إلى الممات لأنه مندوب نذر فصار فرضاً ولأنّ الوفاء بالنذر واجب فى الشرع قال الله تعالى: {يوفون بالنذر ويخافون يوماً كان شره مستطيراً}.
14- عدم التهأون بالأوراد وتأخيرها عن وقتها الاختيارى من غير عذر ووقت ورد الصباح المختار من بعد صلاة الصبح إلى قبيل الظهر ولأصحاب الأعذار إلى غروب الشمس ويكون بعد ذلك قضاءً ولابدّ من قضائه لأنه أصبح واجباً بالنذر وورد المساء وقته المختار من بعد صلاة العصر إلى وقت العشاء ولأصحاب الأعذار إلى الفجر وبعد الفجر يكون قضاء ولابدّ من قضائه.
والوظيفة واجبة فى كل يوم وليلة مرة إما صباحاً وإما مساءً فإن ذكرها فى الوقتين فهو أحسن فإن رتبها صباحاً فحكمها حكم ورد الصباح وإن رتبها مساءً فحكمها حكم ورد المساء.
وذكر الجمعة ساعة متصلة بالغروب أو يلتزم عدداً من ألف إلى ألف وستمائة لا أقلّ من ألف ولابدّ من اتصال الذكر بالغروب سواء ذكر بعدد أو بغير عدد ليكون أول الأسبوع ذاكراً وآخر الأسبوع ذاكراً وعسى أن يغفر الله له بين الحسنيين فإن كان له عذر يمنعه من اتصال الذكر بالغروب قرأ ألفاً بعد صلاة العصر من الكلمة المشرفة (لا إله إلا الله) ومضى لشغله.
وجميع الأوراد اللازمة يجب قضاؤها إلا ذكر الجمعة فمن فاته فقد فاته خير كثير فإن ذلك إهمال فعليه وزر الإهمال وعاقبة ذلك وخيمة ولابدَّ من تصحيح الكلمة المشرفة وعدم اللحن والمدّ بين اللام والهاء فى الاسم الشريف (الله).
15- صحة إذن الملقن: ويشترط فيه أن يكون مأذوناً بإذن صحيح متصل بالشيخ التجانى رضي الله عنه وأن يكون كل فرد من السلسلة متمسكاً بشروط الطريقة التجانية كما اشترطها الشيخ التجانى رضي الله عنه فمن يجمعها مع طريقة أخرى فإذنه فى الطريق غير صحيح لأنّ الشيخ التجانى اشترط الانفراد بها ورفع الإذن عمن يخالف هذا الشرط وكذلك من يخل بأىّ شرط من الشروط ومن يجمعها مع طريقة أخرى يعتبر محباً كسائر المحبين وليس له إذن كما اشترطه الشيخ رضي الله عنه.
16- صحة التلقين: وهو أن تتلى الشروط على راغب الدخول فى الطريقة التجانية ويفهمها ويقبلها ثم يؤذن على مقتضاها.
شروط الأوراد التجانية:
1- النية فينوى قراءة ورد الصباح أو المساء أو الوظيفة أو ذكر الجمعة لأنها أوراد منذورة فلابدّ فيها من نية الوفاء بالنذر.
2- طهارة الحدث بالماء أو التيمم بموجبه على الحد الشرعى فى ذلك فإن كان متيمماً يقرأ بدل الجوهرة عشرين من صلاة الفاتح.
3- طهارة الخبث من الثوب والبدن والمكان.
4- ستر العورة كالصلاة.
5- عدم رد السلام.
6- عدم الكلام إلا لضرورة فيشير أولاً فإن لم تفد الإشارة تكلم كلمة أو كلمتين فإن تكلم ثلاث كلمات أعاد ورده ووظيفته.. ولكن إذا كلمه أبوه أو كلمته أمه يجيبهما وإن طال الحديث والزوجة تجيب أباها وأمها وزوجها.
7- عدم الأكل والشرب ويبطل الورد بقليله وكثيره وتبطل الوظيفة بالكثير لا بالقليل كجرعة أو جرعتين لضرورة كغصة أو عطش لا يحتمل وهذه الشروط إن اختل منها شرط واحد أعاد الورد والوظيفة.
شروط الكمال فى الأوراد التجانية:
1- الجلوس.
2- استقبال القبلة.
3- الإسرار فى الورد من أوله إلى آخره وأن يقرأ بتؤدة وترتيل.
4- أن يستحضر كأنه جالس أمام الشيخ الأكبر سيّدى أحمد التجانى مقتدياً به فى ذكره وخشوعه وأعظم من ذلك أن يستحضر أنه بين يدى النبى صلي الله عليه و سلم.
5- استحضار معانى الذكر الاستغفار والصلاة على النبى صلي الله عليه و سلم ولا إله إلا الله أى لا معبود بحق إلا الله.
وشروط الكمال لا يبطل الذكر بتركها ولكن يكون نوره أقلّ مما إذا أتى بها(1).
قال فى الفتح الربانى: إنّ شروط الطريقة التجانية أربعون شرطاً وكلها لها شواهد من الكتاب والسنة وكتب السادة الصوفية(2).
وقال فى الرماح: إن شروط طريقتنا هذه ثلاث وعشرون شرطاً(3) إن هذا الاختلاف فى عدد الشروط سببه أن بعضهم يدمج شرطين مع بعضهما فيجعلهما شرطاً واحداً وبعضهم يشرح الشرط من شروط الطريقة بآداب خاصة بالذكر فيجعل تلك الآداب شروطاً للطريقة فيزداد العدد عنده وينقص عند غيره.
ولكن ما ذكرناه هنا من الشروط هو الذى حرّره المحققون من علماء الطريقة وما زاد على ذلك ما هو إلا شرح وتفسير لتلك الشروط المقرّرة أو يكون من جملة أمور حث الشيخ التجانى عليها أصحابه وحضّهم عليها فظنّوها من جملة الشروط.
الأذكار اللازمة للطريقة التجانية:
وهى الأذكار التى يؤذن بها المريد بعد التزامها على شروطها:
1- ورد الصباح
2- ورد المساء
3- الوظيفة
4- الهيللة
(ورد الصباح)
(100) استغفر الله وتتعين هذه الصيغة فى الورد فمن ذكره بغيرها أعاده.
(100) من الصلاة على النبى بأىّ صيغة خصوصاً صلاة الفاتح لاشتمالها على جميع حروف الاسم الأعظم مع أسرار أخرى.
(100) لا إله إلا الله وتتعين بلفظها.
وصلاة الفاتح هى:
(اللهم صلّ على سيِّدنا محمد الفاتح لما أغلق والخاتم لما سبق ناصر الحق بالحق والهادى إلى صراطك المستقيم وعلى آله حق قدره ومقداره العظيم).
(ورد المساء)
أركانه هى أركان ورد الصباح.
(الوظيفة)
وأركانها:
1- استغفر الله العظيم الذى لا إله إلا هو الحى القيوم ثلاثين مرة.
2- صلاة الفاتح خمسين ولا تصح بغيرها وتسقط الوظيفة عمن لم يحفظها.
3- لا إله إلا الله مائة مرة وتتعين بلفظها.
4- الجوهرة اثنتى عشرة مرة لمن حفظها واستكمل شروطها وإلا فبدلها عشرين من صلاة الفاتح.
(وجوهرة الكمال هى)
(اللهم صلِّ وسلِّم على عين الرحمةِ الربانيةِ والياقوتةِ المتحققةِ الحائطةِ بمركزِ الفهومِ والمعانى ونورِ الأكوانِ المتكونةِ الآدمىّ صاحبِ الحقِ الربانى البرقِ الأسطعِ بمزونِ الأرباحِ المالئةِ لكل متعرّضٍ من البحورِ والأوانى ونورِك اللامعِ الذى ملأت به كونَكَ الحائط بأمكنة المكان اللهم صلِّ وسلِّم على عين الحق التى تتجلى منها عروشُ الحقائِق عَينِ المعارفِ الأَقْومِ صراطِك التامِّ الأسقَم اللهم صلِّ وسلِّم على طلعة الحق بالحقِ الكنز الأعظم إفاضتك منك إليك إحاطة النور المطلسم صلّى الله عليه وعلى آله صلاة تعرفنا بها إياه).
(الهيللة)
وهى ذكر الكلمة المشرفة (لا إله إلا الله) بعد صلاة العصر من يوم الجمعة وقبل الغروب بساعة فلكية فما فوق وإن شاء التزام عدداً معلوماً من ألف إلى ألف وستمائة وإن شاء زاد ولابدّ من اتصال الذكر بالغروب سواء ذكر بعدد أو بلا عدد(1).
هذه هى أوراد الطريقة التجانية اللازمة لكل تجانى حيث أصبحت عليه فرضاً بحكم النذر فلا سبيل للتخلى عنها أو التهاون بها وهى أوراد يسيرة لا تستغرق زمناً طويلاً مرتّبة أحسن ترتيب وقد حوت من أسرار التربية والترقية على أكبر نصيب وهى فى الحقيقة أوراد رسول الله صلى عليه وسلم نظمها بيده وأعطاها إلى الشيخ التجانى رضي الله عنه وأمره بالاقتصار على ما أسداه إليه وقصر النظر فى الطلب ولله در الشيخ الرياحى رضي الله عنه حيث يقول:
وما ظنوك بالورد الذى نظمت يد النبوة هل يبنى بلا ساس
وتعاليم الطريقة التجانية تقضى بتعمير الأوقات بذكر الله تعالى والحرص على أداء السنن والرواتب والمواظبة على ما ورد فى السنة من الآداب الشرعية المتعلقة بأحوال الإنسان والمواظبة عليها بقدر الطاقة والإكثار من مكفرات الذنوب ورفع الهمة عن الخلق اكتفاء بالملك الحق.
فضل الأذكار اللازمة للطريقة:
سنذكر من هذه الفضائل أربعين فضيلة أربعة عشر منها تحصل لجميع من تعلق بالشيخ التجانى رضي الله عنه بالاعتقاد والتسليم والتعظيم وترك الاعتراض والانتقاد عليه فى كل شىء دقّ أو جلّ ومحبته ومحبة أهل طريقته واحترامهم وتعظيمهم وعدم إذايتهم والبقية تختص بأهل طريقته المتمسكين بأوراده ولو لم يجتمعوا معه رضي الله عنه فى دار الدنيا كما فى جواهر المعانى وهذه الفضائل كلها ضمنها النبى صلي الله عليه و سلم للشيخ رضي الله عنه فهى واقعة لا محالة لكن بشرط عدم الأمن من مكر الله وعدم رفض الطريقة.
قال شيخنا رضي الله عنه محذراً لأصحابه ومرشداً لهم: أقول لكم إنَّ سيِّد الوجود صلي الله عليه و سلم ضمن لنا أنَّ من سبّنا ودام على ذلك ولم يتب لا يموت إلا كافراً وأقول للإخوان إن من أخذ وردنا وسمع ما فيه من دخول الجنة بلا حساب ولا عقاب وأنه لا تضره معصيته فطرح نفسه فى معاصى الله واتخذ ذلك حبالة إلى الأمان من عقوبة الله ألبس الله قلبه بغضنا حتى يسبّنا فإذا سبّنا أماته الله كافراً فاحذروا من معاصى الله وعقوبته ومن قضى الله عليه منكم بذنب والعبد غير معصوم - فلا يقربنه إلا وهو باكى القلب خائف من عقوبته - والسلام اهـ.
وهذه فضائل القسم الأول:
الأولــــــــى: موتهم على الإسلام والإيمان.
الثانيــــــــة: أن يخفف الله عنهم سكرات الموت.
الثالثــــــــة: أن لا يرون فى قبورهم إلا ما يسرهم.
الرابعـــــــة: أن يؤمنهم الله تعالى من جميع أنواع عذابه وتخويفه وجميع الشرور من الموت إلى الاستقرار فى الجنة.
الخامســــة: أن يغفر الله لهم جميع ذنوبهم ما تقدّم منها وما تأخر.
السادســـة: أن يؤدى الله تعالى جميع تبعاتهم ومظالمهم من خزائن فضله لا من حسناتهم.
السابعــــة: أن لا يحاسبهم الله تعالى ولا يناقشهم ولا يسألهم عن القليل والكثير يوم القيامة.
الثامنــــــة: أن يظلهم الله تعالى فى ظل عرشه يوم القيامة.
التاسعـــــة: أن يجيزهم الله تعالى على الصراط أسرع من طرفة عين على كواهل الملائكة.
العاشــــرة: يسقيهم الله تعالى من حوضه صلي الله عليه و سلم.
الحادية عشرة: أن يدخلهم الجنة بغير حساب ولا عقاب فى أول الزمرة الأولى.
الثانية عشرة: أن يجعلهم الله تعالى مستقرين فى عليين من جنة الفردوس وجنة عدن.
الثالثة عشرة: أن النبى صلي الله عليه و سلم يحب كل من كان محباً له رضي الله عنه.
الرابعة عشـر: أن محبه رضي الله عنه لا يموت حتى يكون ولياً.
وهذه الأربعة عشرة فضيلة تحصل لكل من تعلق بالشيخ بالمحبة والتسليم إلى آخر ما مرَّ. ولو لم يكن آخذاً لطريقته رضي الله عنه.
وأما من أخذ طريقته رضي الله عنه وعنا به فإنه يحصل له ما مرّ من الفضائل ويزيد على ما يأتى من الخامسة عشر إلى آخر الفضائل:
الخامسة عشرة: أن أبوى آخذ ورده وأزواجه ووالدى أزواجه وذريته المنفصلة عنه لا الحفدة يدخلون الجنة بغير حساب ولا عقاب وتغفر جميع ذنوبهم الصغائر والكبائر وتؤدى عنهم جميع التبعات بشرط أن لا يصدر منهم سبّ ولا بغض ولا عداوة فى جانب الشيخ وبشرط دوام المحبة ولو لم يكن له تعلق بالشيخ أصلاً وإنما نالوا ذلك بسبب انتمائهم إلى آخذ الورد.
السادسة عشرة: أنّ النبى صلي الله عليه و سلم أضافهم إليه حيث قال مخاطباً الشيخ رضي الله عنه: فقراؤك فقرائى وتلاميذك تلاميذى وأصحابك أصحابى فما أشرف هذه الإضافة.
السابعة عشرة: أنّ كل ما يؤذيهم يؤذى النبى صلي الله عليه و سلم.
الثامنة عشرة: أنّ النبى صلي الله عليه و سلم يحضرهم عند الموت.
التاسعة عشرة: أنه صلي الله عليه و سلم يحضرهم عند سؤال الملكين.
العشـــــرون: أنّ الإمام المهدى المنتظر أخ لهم فى الطريقة وقد رأيت فى بعض كتب الطريق: أن علامات خروج المهدى كثرة أهل هذه الطريقة.
الحادية والعشرون: أنّهم أعلى مرتبة من أكابر الأقطاب ولو رأت الأقطاب ما أعدّه الله لهم لقالوا: ما اعطيتنا شيئاً {لا يسأل عما يفعل - والله يرزق من يشاء بغير حساب - قل إنّ الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء والله واسع عليم يختص برحمته من يشاء والله ذو الفضل العظيم}.
الثانية والعشـرون: أنّهم إذا ذكروا أىّ كان ذكر يذكر معهم سبعون ألف ملك ما داموا يذكرون ويكتب ثواب ذلك كله لهم.
الثالثة والعشـرون: أنّ فى الأذكار اللازمة للطريقة صيغة من صيغ الاسم الأعظم الخاصة به صلي الله عليه و سلم.
الرابعة والعشـرون: أنّ فى أذكار هذه الطريقة الاسم الأعظم الكبير الخاص به صلي الله عليه و سلم.
الخامسة والعشرون: أنّ لكل واحد منهم حظاً من ثواب الاسم الأعظم الكبير الذى هو دائرة الإحاطة ولو لم يعرف الاسم فضلاً عن ذكره.
السادسة والعشرون: أنهم ينالون من ثواب الأذكار العالية من الاسم الأعظم الكبير وما دونه ما لا يناله منه أكابر العارفين والأقطاب.
السابعة والعشرون: أنّ الله يعطيهم من عمل كل عامل تقبل منه عمله أكثر من مائة ألف ضعف مما يعطيه لصاحب ذلك العمل.
الثامنة والعشرون: أنّ آحادهم آمنون من السلب ولا يقدر على سلبهم إلا القطب.
التاسعة والعشرون: أنّ آحادهم إذا رآه شخص يوم الاثنين أو يوم الجمعة فإنّ الرائى يدخل الجنة بغير حساب له ولا عقاب وراثة أحمدية تجانية وينبغى لكل شخص أن يتوسّم وجوه أصحاب الشيخ الجليل فى هذين اليومين وينوى عند نظره فى وجوههم تحصيل هذه الفضيلة السامية لعلّه يصادف واحداً ممّن خص بها فيحوزها.
الثــلاثــــــون: أنّ منهم من إذا رآه شخص وقال له الرائى أشهد أنّى رأيتك وقال له المرئى شهدت لك بأنك رأيتنى فإنّ الرائى يدخل الجنة بغير حساب ولا عقاب.
الحادية والثلاثون: أنّ من لم يحترمهم وكان يؤذيهم طرده الله عن قربه وسلبه ما منحه.
الثانية والثلاثـون: أنّهم لا يذوقون حرارة الموت أصلاً.
الثالثة والثلاثـون: أنّ لهم من الله تعالى لطفاً خالصاً بهم بعد اللطف العام لهم ولغيرهم.
الرابعة والثلاثـون: أنّ لهم فى الحشر موضعاً يكونون فيه فى ظل العرش وحدهم.
الخامسة والثلاثون: أنّهم وأبويهم وأزواجهم ووالدى أزواجهم وذريتهم المنفصلة عنهم لا الحفدة فى أعلى عليِّين بالشروط المتقدمة.
السادسة والثلاثون: أنّهم لا يحضرون أهوال الموقف ولا يرون صواعقه وزلازله بل يكونون من الآمنين عند باب الجنة حتى يدخلوا مع المصطفي صلي الله عليه و سلم فى الزمرة الأولى مع أصحابه ويكون مستقرّهم فى جواره صلي الله عليه و سلم فى أعلى عليين مجاورين أصحابه صلي الله عليه و سلم.
السابعة والثلاثـون: أنّ أكثرهم يحصل له فى كل يوم فضل زيارته صلي الله عليه و سلم فى روضته الشريفة وزيارة جميع الأولياء والصالحين من أول الوجود إلى وقته بسبب تلاوته جوهرة الكمال اثنتى عشرة مرة فى الوظيفة أو غيرها بشرط نية الزيارة.
الثامنة والثلاثـون: أنّ النبىّ صلي الله عليه و سلم والخلفاء الأربعة والشيخ رضي الله عنهم يحضرون مع أهل هذه الطريقة كل يوم وقت قراءتهم الوظيفة بجوهرة الكمال.
التاسعة والثلاثـون: أنّ النبى صلي الله عليه و سلم يحبّهم محبة خاصة غير المحبة التى تقدمت لهم ولجميع الأحباب.
الأربعـــــــــون: أنّ لهم علامة يدركها أهل الكشف يتميّزون بها عن غيرهم ويعرف بها أنّهم تلاميذ رسول الله صلي الله عليه و سلم وفقراؤه وهى أنّ كل واحد منهم مكتوب بين عينيه محمد صلي الله عليه و سلم وعلى قلبه مما يلى ظهره محمد بن عبد الله وعلى رأسه تاج من نور مكتوب فيه الطريقة التجانية منشؤها الحقيقة المحمدية(1).
فضل صلاة الفاتح:
قال فى جواهر المعانى: سمعت شيخنا رضي الله عنه يقول: كنت مشتغلاً بذكر صلاة الفاتح لما أغلق حين رجعت من الحج إلى تلمسان لما رأيت من فضلها وهو أن المرّة الواحدة منها بستمائة ألف صلاة كما هو فى ورد الجيوب وقد ذكر صاحب الورد أنّ صاحبها سيِّدى محمد البكرى الصديقى نزيل مصر وكان قطباً رضي الله عنه قال إن من ذكرها مرة ولم يدخل الجنة فليقبض صاحبها عند الله وبقيت نذكرها إلى أن رحلت من تلمسان إلى أبى سمغون فلمّا رأيت الصلاة التى فيها المرّة الواحدة بسبعين ألف ختمة من دلائل الخيرات تركت الفاتح لما أغلق الخ.
واشتغلت بها وهى: (اللهم صلِّ على سيِّدنا محمد وعلى آله صلاة تعدل جميع صلوات أهل محبتك وسلِّم على سيِّدنا محمد وعلى آله سلاماً يعدل سلامهم) لما رأيت فيها من كثرة الفضل ثم أمرنى بالرجوع صلي الله عليه و سلم إلى صلاة الفاتح لما أغلق فلما أمرنى بالرجوع إليها سألته صلي الله عليه و سلم عن فضلها فأخبرنى أولاً بأنَّ المرّة الواحدة منها تعدل من القرآن ست مرات ثم أخبرنى ثانياً أنَّ المرّة الواحدة تعدل من كل تسبيح وقع فى الكون ومن كل ذكر ومن كل دعاء كبير أو صغير ومن القرآن ستة آلاف مرّة لأنّه من الأذكار ومن جملة الأدعية الدعاء السيفى ففى المرة الواحدة منه ثواب صوم رمضان وقيام ليلة القدر وعبادة سنة وسورة القدر مثله فى الثواب…).
ثم قال الشيخ التجانى رضي الله عنه وأخبرنى صلي الله عليه و سلم أنّها لم تكن من تأليف البكرى أى صلاة الفاتح لما أغلق الخ ولكنه توجه إلى الله مدة طويلة أن يمنحه صلاة على النبى صلى الله عليه وآله وسلم فيها ثواب جميع الصلوات وسر جميع الصلوات وطال طلبه مدة ثم أجاب دعوته فأتاه الملك بهذه الصلاة مكتوبة فى صحيفة من النور ثم قال الشيخ فلما تأملت هذه الصلاة وجدتها لا تزنها عبادة جميع الجن والإنس والملائكة…
قال فى جواهر المعانى: وسألته رضي الله عنه عن صلاة الفاتح لما أغلق لأنها خالية عن السلام لأمر أوجبه فأجاب رضي الله عنه بقوله:
وأما سؤالكم عن صلاة الفاتح لما أغلق الخ فإنها وردت من الغيب على هذه الكيفية وما ورد من الغيب كماله ثابت خارج عن القواعد المعلومة ليست من تأليف مؤلف ووراء هذا أنّ كيفيات وردت عنه صلي الله عليه و سلم فى الصلاة الخالية من السلام وهى كيفيات نبوية متعبّد بها فلا التفات لما يقوله الفقهاء والسلام.
قال رضي الله عنه: وخالية الفاتح لما أغلق أمر إلهى لا مدخل فيه للعقول فلو قدّرت مائة ألف أمة كل أمة مائة ألف قبيلة فى كل قبيلة مائة ألف رجل وعاش كل واحد مائة ألف عام يذكر كل منهم فى كل يوم ألف صلاة على النبى صلي الله عليه و سلم من غير صلاة الفاتح لما أغلق الخ وجميع ثواب هذه الأمم كلها فى مدة هذه السنين كلها فى هذه الاذكار كلها ما لحقوا كلهم ثواب مرة واحدة من صلاة الفاتح لما أغلق فلا تلتفت لتكذيب مكذب ولا لقدح قادح فيها فإنّ الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء فإنّ لله سبحانه وتعالى فضلاً خارجاً عن دائرة القياس ويكفيك قوله سبحانه وتعالى {ويخلق مالا تعلمون} فما توجّه متوجّه إلى الله تعالى بعمل يبلغها وإن كان ما كان ولا توجّه متوجه إلى الله بعمل أَحبّ إِليه منها ولا أّعظم عند الله جدوة منها إلا مرتبة واحدة وهى من توجه إلى الله تعالى باسمه العظيم الأعظم لاغير هو غاية التوجّهات والدرجة العليا من جميع التعبدات ليس لفضله غاية ولا فوقه مرتبة نهاية وهذه صلاة الفاتح تليه فى المرتبة والتوجّه والثواب والفوز بمحبة الله لصاحبها وحسن المآب فمن توجّه إلى الله تعالى مصدقاً بهذا الحال فاز برضى الله وثوابه فى دنياه وأخراه بما لا تبلغه جميع الأعمال يشهد بهذا الفيض الإلهى الذى لا تبلغه الآمال.
ولا يحصل هذا الفضل المذكور إلا مع التسليم ومن أراد المناقشة فى هذا الباب وهذا المحل فليترك فإنّه لا يفيد استقصاء حجج المقال واترك عنك محاججة من يطلب منك الحجج فإن الخوض فى ذلك رداً وجواباً كالبحر لا تنقطع منه الأبواب والقلوب فى يد الله هو المتصرف فيها والمقبل بها والمدبر بها فمن أراد الله سعادته والفوز بثواب هذه الياقوتة الفريدة جذب الله قلبه إلى التصديق بما سمعه فيها وعّرفه التسليم لفضل الله سبحانه بأنه لا يأخذه الحِدّ والقياس فصرف همته فى التوجّه إلى الله تعالى بها والإقبال عليه بشأنها فلا تعلم نفس ما أخفى لهم من قرة أعين ومن أراد الله حرمانه من خيرها صرف الله قلبه بالوسوسة وبقوله من أين يأتى خبرها فاشتغل بما قلناه لك ومن أطاعك فى ذلك وأعرض عن مناقشتك فى البحث بتحقيق ذلك فإِنّا أخذناه من الوجه تعلمه وكفى أهـ(1).
وقال فى جواهر المعانى أيضاً:
فإن قلت ربّما يطلع بعض القاصرين ومن لا علم له بسعة الفضل والكرم فيقول إذا كان هذا كما ذكر فينبغى الاشتغال به أولى من كل ذكر حتى القرآن قلنا له بل تلاوة القرآن أولى لأنّها مطلوبة شرعاً لأجل الفضل الذى ورد فيه ولكونه أساس الشريعة وبساط المعاملة الإلهية ولما ورد في تركه من الوعيد الشديد فلهذا لا يحلّ لقارئه ترك تلاوته أمّا فضل الصلاة التى نحن بصددها فإنها من باب التخيير لا شئ على من تركها وثانياً إنّ هذا الباب ليس موضعاً للبحث والجدال بل هو من فضائل الأعمال وأنت خبير بما قاله العلماء فى فضائل الأعمال من عدم المناقشة فيها(2).
صلة المريد التجانى بالقرآن:
يؤكد على التجانى أن يكون قوى الصلة بالقرآن تلاوة ودراسة وتأملاً فإذا كان يحفظ القرآن فليجتهد لختمه فى كل أسبوع مرة وإن استطاع أن يختم فى كل ثلاث فذلك الأكمل ولا غرو فإن أفضل ما يتقرب به إلى الله كتابه المبين كما فى الرؤيا التى رآها أحمد بن حنبل رضي الله عنه بل وكما ثبت كتاباً وسنة وإجماعاً وعقلاً وفقهاً.
وأما من لم يقدر على تلاوة الثلث كل يوم ولا على تلاوة السبع فلا أقلّ من تلاوة حزبين كل يوم أو تلاوة ما تيسّر ولو بضع آيات(1).
ويتضح لنا مما تقّدم أنّ المريد التجانى لا يكتفى بالورد اللازم فى الطريقة فقط بل هو مطالب بقراءة ما تيسر من القرآن وقد حثّ الشيخ التجانى على قراءة حزبين فى اليوم على الأقلّ لمن استطاع وأن يتوجّه إلى الله بعد أداء الأوراد اللازمة بالذكر والتلاوة والصلاة على النبى صلي الله عليه و سلم وأن يجتهد فى كل ما يقربه إلى الله تعالى وهذا يؤكد أن التجانيين لم يتركوا العمل اعتماداً على بشارات الطريق وهذه هى وصية الشيخ التجانى نفسه حيث قال رضي الله عنه:
وأوصيكم بالمحافظة على أوقات تتوجهون فيها إلى الله تعالى بالتوجه الصحيح إما بذكر أو تلاوة قرآن فى الصلاة أو خارجها وإما بالصلاة على النبى صلي الله عليه و سلم(2).
التجانيون وقيام الليل:
حثّ الشيخ التجانى أصحابه على قيام الليل ولو بركعتين قبل الفجر وهو بلا شك من شأن الصادقين ونعت العارفين وسمة الناسكين وحلية العابدين وقد كان الشيخ التجانى يرغّب فيه غاية الترغيب.
قال في بغية المستفيد:
إنّ جميع أصحاب الشيخ التجانى الذين أدركناهم لهم الخط الأوفر من قيام الليل ولا نتعقل الآن أنّا رأينا منهم من ينام الليل كلّه ولا سمعنا بذلك أيضاً عن أحد منهم وما ذلك إلا لتأكيد أمره عند الشيخ رضي الله عنه.
وقد أخبرنى بعض الفضلاء ممن لازم الشيخ رضي الله عنه مدة طويلة أن رجلاً من أصحابه أتاه فقال له يا سيّدى إنّى لا أقدر على القيام قبل الفجر بل كثيراً ما أوخر الصلاة إلى أن تطلع الشمس وهذه حالة لازمة لى لا أستطيع الانفكاك عنها وكأنّه يريد من الشيخ أن يرخص له فى ذلك بشىء مما يحكى عن بعض أصحاب الأحوال فلم يساعده رضي الله عنه بشىء له بل قال له فى جوابه أنت رجل لا تصلح لطريقتنا فاطرح سبحتنا عنك أهـ وأراد بذلك زجر الرجل عن الركون إلى الترخصات بالتأويلات التى يأباها التقيد بالسنة المطهرة(1).
التجانيون والتجانيات من الذاكرين الله كثيراً والذاكرات:
وفى الجواب المسكت للعلامة العارف بالله الفقيه محمد الكنسوسى لسان الطريقة ما نصه:
… وإنهم (يعنى أهل الطريقة) والله من خير هذه الأُمة وهم بحمد الله مطهرون من كل مذمة وكيف لا وهم الصائمون القائمون يدعون ربهم بالغداة والعشى يريدون وجهه فمنهم من لا يعرف المنام بالليل أصلاً ومنهم من لا يعرف الطعام والشراب بالنهار إلا فى الأعياد ومنهم من لا ينقص ورده عن عشرة آلاف من الصلاة على رسول الله صلي الله عليه و سلم بصلاة الفاتح لما أغلق بين اليوم والليلة(2).
قد ذكرنا من قبل الأذكار اللازمة للطريقة وهى فرض واجب على كل تجانى لا سبيل للتفريط فيها بل يحافظ عليها أشد المحافظة ثم يجتهد بعد ذلك فى نوافل الخير وقيام الليل وتلاوة القرآن وغيرها من أنواع القربات.. ونذكر الآن بعضاً من الأوراد الاختيارية التى لا تعطى لكل أحد من أفراد الطريقة بل للخاصة منهم فقط.
ومما يجدر ذكره أنّ الأذكار الواردة فى السنة جميعها أهل الطريقة مأمورون بها ولهم فيها الإذن الخاص والعام ولله الحمد.
الأوراد الاختيارية ويشترط فيها الإذن الخاص
ومن الأذكار المقتبسة من السنة التى أمر بها الشيخ التجانى رضي الله عنه بعض الخواص:
بسم الله العظيم الأعظم الذى إذا دعى به أجاب وإذا سئل به أعطى لا إله إلا أنت سبحانك إنّى كنت من الظالمين اللهم إنّى أسألك بأنّى أشهد أنك أنت الله الأحد الصمد الذى لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد اللهم إنى أسألك بأنّ لك الحمد لا إله إلا أنت الحنان المنان بديع السموات والأرض يا ذا الجلال والإكرام يا حى يا قيوم. اهـ.
من الأوراد الاختيارية:
يا قوتة الحقائق - في التعريف بحقيقة سيِّد الخلائق
الله الله الله اللهم أنت الله الذى لا إله إلا أنت العالى فى عظمة انفراد حضرة أحديتك التى شئت فيها بوجود شئونك وأنشأت من نورك الكامل نشأة الحق وأَنطتها وجعلتها صورة كاملة تامة تجد منها بسبب وجودها من انفراد أحديتك قبل نشر أشباحها وجعلت منها فيها بسببها انبساط العلم وجعلت من أثر هذه العظمة ومن بركاتها شبحة الصور كلها جامدها ومتحركها وأنطتها بإقبال التحريك والتسكين وجعلتها فى إحاطة العزّة من كونها قبلت منها وفيها ولها وتشعشعت الصور البارزة بإقبال الوجود وقدّرت لها وفيها ومنها ما يماثلها مما يطابق أرقام صورها وحكمت عليها بالبروز لتأدية ما قدّرته عليها وجعلتها منقوشة فى لوحها المحفوظ الذى خلقت منه ببركاته وحكمت عليها بما أردت لها وبما تريد بها وجعلت كلّ الكلّ فى كلّك وجعلت هذا الكلّ من كلّك وجعلت الكل قبضة من نور عظمتك روحاً لما أنت أهل له ولما هو أهل لك.
أسألك اللهمّ بمرتبة هذه العظمة وإطلاقها فى وجد وعدم أن تصلِّى وتسلِّم على ترجمان لسان القدم اللوح المحفوظ والنور السارى الممدود الذى لا يدركه دارك ولا يلحقه لاحق الصراط المستقيم ناصر الحق بالحق.
اللهم صلِّ وسلمِّ على أشرف الخلائق الإنسانية والجانّية صاحب الأنوار الفاخرة اللهم صلِّ وسلمِّ عليه وعلى آله وعلى أولاده وأزواجه وذريته وأهل بيته وإخوانه من النبيين والصديقين وعلى من آمن به واتبعه من الأولين والآخرين اللهم أجعل صلاتنا عليه مقبولة لا مردودة اللهم صلِّ على سيِّدنا ومولانا محمد وآله اللهمّ واجعله لنا روحاً ولعبادتنا سراً واجعل اللهمّ محبته لنا قوة أستعين بها على تعظيمه اللهمّ واجعل تعظيمه فى قلوبنا حياة أقوم بها وأستعين بها على ذكره وذكر ربه اللهمّ واجعل صلاتنا عليه مفتاحاً وافتح لنا بها ياربّ حجاب الإقبال وتقّبل منّى ببركات حبيبى وحبيب عبادك المؤمنين ما أنا أؤدِّيه من الأوراد والأذكار والمحبة والتعظيم لذاتك: لله لله لله آهـ آمين.
هو هو هو آمين وصلّى الله على سيِّدنا محمد آمين آهـ(1).
الصلاة الغيبية فى الحقيقة الأحمدية
اللهم صلِّ وسلمِّ على عين ذاتك العلية بأنواع كمالاتك البهية فى حضرة ذاتك الأبدية على عبدك القائم بك منك لك إليك بأتمِّ الصلوات الزكية المصلِّى فى محراب عين هاء الهوية التالى السبع المثانى بصفاتك النفسية المخاطب بقولك له واسجد واقترب الداعى بك لك بإذنك لكافة شؤونك العلمية فمن أجاب اصطفى وقرِّب المفيض على كافة من أوجدته بقيومية سرك المدد السارى فى كلية أجزاء موهبة فضلك المتجلّى عليه فى محراب قدسك وأنسك بكمالات أولوهيتك فى عوالمك وبرّك وبحرك فصلِّ اللهمّ عليه صلاة كاملة تامّة بك ومنك وإليك وعليك وسلِّم عليه سلاماً تاماً عاماً شاملاً لأنواع كمالات قدسك دائمين متصلَيْن على خليلك وحبيبك من خلقك عدد ما فى علمك القديم وعميم فضلك العظيم ونُب عنّا بمحض فضلك الكريم فى الصلاة عليه صلاتك التى صليت عليه فى محراب قدسك وهوية أنسك وعلى آله وصحابة رسولك ونبيّك وسلمّ عليهم تسليماً عدد إحاطة علمك. أهـ(1).
ومن الأوراد الاختيارية الحزب السيفى وهو معروف مشهور وحزب البحر وكذلك سورة القدر وسورة الإخلاص وآخر الحشر والدور الأعلى والأسماء الإدريسية واستغفار سيدنا الخضر والمسبعات العشر المعلومة عند العامة والخاصة وله رضي الله عنه أدعية أجراها الله على لسانه وأذكار يتضرع بها إلى مولاه يؤذن فيها الخاصة من أهل الطريقة.
فهذا عرض سريع لبعض الأوراد الاختيارية عند الشيخ التجانى رضي الله عنه ومن نظر فيها بفكر ثاقب يجد معظمها تضرع وابتهال ودعاء لله تعالى بأسمائه الحسنى وقد ضُمّنت كثيراً من الآيات والسور القرآنية مما يبرهن على أنّ ما رماهم به خصومهم ما هو إلا محض افتراء.
والتجانيون يتعبدون بقراءة القرآن ويحفظونه ويحافظون على أحكامه أشد المحافظة وبشارات الطريق لا تعدو عندهم أنها بشارات يسّرون بها ولا تغرّهم ولا تحملهم على ترك العمل ولا على الأمن من مكر الله عز وجل {فلا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون} ومن فعل ذلك فليس من أهل الطريق(2).
سند الطريقة التجانية:
لقد صحب الشيخ التجانى رضي الله عنه فى بدايته شيوخاً كثيرين ولم يكتف ببلوغ ما بلغ فى صحبتهم فعكف على عبادة الله تبارك وتعالى وكثرة الاشتغال بالصلاة على النبى صلي الله عليه و سلم ومن المعلوم عند أهل هذا الشأن أنّ الصلاة على النبى صلي الله عليه و سلم موصلة من غير شيخ ومأخذ ذلك أنّه قد صحّ عنه صلي الله عليه و سلم أنّه قال:
(من صلى على صلاة صلى الله عليه بها عشراً) رواه مسلم فى صحيحه عن عبد الله بن عمرو بن العاص ونحوه عن أبى هريرة رضي الله عنه.
وصحّ أنّ الملائكة تصلِّى على من صلى عليه صلي الله عليه و سلم وقال الله تبارك وتعالى: {هو الذى يصلّى عليكم وملائكته ليخرجكم من الظلمات إلى النور} من ظلمات المعصية إلى نور الطاعة ومن ظلمات الحجاب إلى نور الفتح.
وقد وصل بطريق الصلاة عليه صلي الله عليه و سلم كثيرون من الأولياء رضـوان الله عليهـم منهـم الشيخ نور الدين الشونى والعـارف المتبولى وسيِّدى عبد الرحيم القنائى وغيرهم.
وما زال هذا شأنه رضي الله عنه حتى تبدّى له رسول الله صلي الله عليه و سلم واصطفاه وتولّى تربيته الخاصة ولقّنه ما لقنه وكان رضي الله عنه قبل ذلك يصلّى بصلاة الفاتح ثم تركها واشتغل بهذه الصيغة وهى:
(اللهم صلِّ على سيِّدنا محمد وعلى آله صلاة تعدل جميع صلوات أهل محبتك وسلِّم على سيِّدنا محمد وعلى آله سلاماً يعدل سلامهم).
فأمره صلي الله عليه و سلم بالاشتغال بصلاة الفاتح ثم أمره بتلقين الاستغفار والصلاة عليه صلى الله عليه وسلّم وكان رضي الله عنه إذ ذاك بأبى سمغون والشلالة بالصحراء المعروفة ببلاد المغرب ثم أتمّ له صلي الله عليه و سلم الورد بالهيللة ومازالت روحه الشريفة تسقيه وتتعهده حتى وصل إلى المقام المقسوم له الذى أهلّه له الحق بمحض فضله ورضوانه.
وتسمّى هذه التربية عند أهل التحقيق بالتربية الروحانية أو التربية الأويسية فإنّ الروح الشريفة ربّت أويساً ولم يلق النبى صلي الله عليه و سلم اللقاء الجسدى والتربيـة الروحانيـة لا يشترط فيها إلا اجتماع الروحين سواء كانا فى هذه الحياة أو غيرها. كلاهما أو أحدهما ولا يعبأ بزعم بعض من لا يعلم القائلين أنّ من كان فى الدار الآخرة لا صلة له بأهل الدنيا فإنّه زعم باطل فملك الله واحد وروح من مات ما خرجت من ملكه سبحانه ولا تنعدم انعداماً كلياً وإنما تنقل من دار إلى دار فلا تزال فى الكون حيث يعلم الله عز وجل.
وثبت أنّ روح الحى تجتمع بأرواح الأموات فى النوم والذى يجمعهم فى النوم يجمعهم فى اليقظة والجميع فى العالم تحت سلطانه. وثبت أن الميِّت يسمع سلام المسلِّم عليه ويردّ عليه السلام وثبت أنه يتأذى بما يتأذى به الحى فأولئك القوم محجوبون عن شهود الحقائق. وإنما يحكّمون ظنونهم المخطئة فلا يلتفت إلى أقوالهم لأنها عريقة فى البطلان وها هى الملائكة معنا فى الوجود ولا نراهم وكذلك الجن إلا بخرق العادة (فكذلك الاجتماع بأهل الآخرة يكون خارقاً للعادة) وهو أمر جائز عقلاً وشرعاً وأخبر بوقوعه العدول الثقات فلا مناص للمنصف من التصديق به.
وإذا تبيّن لك طريق وصول ذلك السيِّد رضي الله عنه فسنده هو صلي الله عليه و سلم قال رضي الله عنه:
إنا أخذنا عن مشايخ عدة رضى الله عنهم فلم يقض الله منهم بتحصيل المقصود وإنما سندنا واستنادنا فى هذا الطريق عن سيِّد الوجود صلي الله عليه و سلم قد قضى الله بفتحنا ووصولنا على يديه ليس لغيره من الشيوخ فينا تصرف وكفى اهـ(1).
ولما أذن له صلي الله عليه و سلم فى هذه الطريقة الأحمدية والسيرة المصطفوية النبوية وفتح الله على يديه صلي الله عليه و سلم وأخبره أنّه هو مربيه وكافله وأنّه لا يصله شىء من الله إلا على يديه وبواسطته صلي الله عليه و سلم وقال له:
لا منة لمخلوق عليك من أشياخ الطريق فأنا واسطتك وممدك على التحقيق فاترك عنك جميع ما أخذت من جميع الطرق وقال له الزم هذه الطريقة من غير خلوة ولا اعتزال عن الناس حتى تصل مقامك الذى وعدت به وأنت على حالك من غير ضيق ولا حرج ولا كثرة مجاهدة واترك عنك جميع الأولياء فمن حين قال له صلي الله عليه و سلم هذه القولة ترك جميع الطرق وترك الأولياء وترك الطلب من جميع الأولياء(2).
ذكرنا فى مقدمة هذا البحث أنّ الشيخ التجانى رضي الله عنه أخذ الطريقة الشاذلية عن خمسة من شيوخه وأخذ الخلوتية عن آخرين كما أنّه أخذ الطريقة القادرية وأخذ غيرها من طرق السادة الصوفية ثم تركها جميعاً بعد اجتماعه بالنبى صلي الله عليه و سلم فى اليقظة حيث أعطاه هذه الأوراد وأذن له فى تلقينها لسائر الأنام.
وفى الجامع: إنّ طرق الأولياء وإن كانت ترجع إلى أصل واحد وهو اتصالها به صلي الله عليه و سلم إلا أنها أتت بالوسائط البعيدة والأسانيد المديدة وأما طريق شيخنا فمنفية الوسائط جامعة لدرر الفوائد وصلت إلينا غضة طرية بتلقين قدوتنا عن خير البرية عليه أفضل الصلاة والسلام بكرة وعشية فهو كالصحابى فى السند مع طول المدة وهذا غير منكر على الأكابر كالشيخ عبد القادر وغيره من خواص الأولياء رضى الله عنهم(1).
وعلى هذا فإنّ الطريقة التجانية طريقة محمدية خالصة مستقلة عن غيرها تماماً لم تتفرع عن طريقة أخرى كما أنّه لم تتفرع منها أىّ طريقة وذلك لأنّ أصولها وشروطها تأبى ذلك فلا يحق لأحدٍ كائناً من كان أن يزيد فى أورادها أو شروطها أو يغير حكماً من أحكامها.
التقديم والخلافة فى الطريقة التجانية:
لا حجر على المشايخ فى التقديم والنيابة فمن قدّموه وجب على أتباعهم احترامه واتّباعه وهم فى ذلك مقلدون للصحابة رضوان الله تعالى عليهم بل كانوا قلباً على طاعة أبى بكر وتعظيمه ثم كذلك فى عمر ثم فى عثمان رضى الله تعالى عنهم وقد كان المشايخ رضى الله تعالى عنهم يقدّمون على من بعد من البلاد من أتباعهم من يختارون لإرشادهم وحفظ أحوالهم وضبط قوانين آدابهم ومعاملاتهم لتعذر مراجعتهم للشيخ فى غالب الأوقات فيتأدبون مع المقدم بآداب الشيخ ويطيعونه طاعته ويحترمونه احترامه ثم النفع بصحبة الرسول صلي الله عليه و سلم مقصور على شهود وساطته إلى الله عز وجل وكون اتّباعه وسيلة إلى معرفته عزّ وجل ومحبته والقرب منه ثم كذلك فى الخلفاء من بعده إلى هلمّ جراً فمن لم يحصل له هذا الشهود فلا نصيب له فى الانتفاع.
وأما شروط البيعة على مصطلح القوم فطريقنا انعقادها فى عموم الطلبة بمجرد أخذ الأوراد مع التغلغل فى مطلق التعلق والانتساب وأرفع من ذلك من يأخذها بالتلقين مع المصافحة والأصل فى ذلك ما روى الإمام أحمد فى مسنده والطبرانى والنسائى وغيرهم عن يعلى بن شداد قال حدثنى أبى شداد بن أوس وعبادة بن الصامت حاضر فصدّقه قال: (كنا عند النبى صلي الله عليه و سلم فقال هل فيكم غريب يعنى من أهل الكتاب؟ قلنا لا يا رسول الله فأمر بغلق الباب وقال ارفعوا أيديكم وقولوا لا إله إلا الله فرفعنا أيدينا ساعة ثم قال الحمد لله اللهم إنك بعثتنى بهذه الكلمة وأمرتنى بها ووعدتنى عليها الجنة وإنّك لا تخلف الميعاد ثم قال أبشروا فإنّ الله قد غفر لكم)(2).
إشتراط الأهلية فى المقدم:
إنّ معنى الأهلية عندنا تقريباً معرفة ما لابّد منه ممّا يتعلق بالورد كأركانه التى لا يقوم إلا منها ومعرفة وقته الاختيارى والضرورى ومعرفة شروطه التى لا يصح إلا معها وكذا الكمالية منها أيضاً ولا أقلّ من معرفة شروط الصحة ثم معرفة ما يبطله وما يدخله من النقص والخلل وما ينجبر به ذلك ثم ما يلزم مريد الدخول فى الطريق عند إرادة الدخول وبعده ثم معرفة الأذكار اللازمة بلزوم الورد الأصلى وما لها من الأوقات وما يقضى منها كالورد وما لا يقضى إذا فات وقته فبمعرفة هذه الأمور يصح رجوع إخوانه إليه فيما يشكل عليهم أو يعرض لهم فى أمر طريقهم ثم بعد هذا معرفة ما يراد من الدخول فى طرق المشايخ وفى أىّ شىء ولأىّ شىء يصحبون؟
فهذا أقلّ ما يراعى فيمن يريد التقديم من العلم والمعرفة لما هو بصدده زيادة على معرفة أحكام الطهارة استبراءً ووضوءاً وغسلاً وتيمماً وكذا معرفة ما لا تصح الصلاة إلا به ومن نقص عن هذا القدر فى العلم لا يصلح للتقديم(1).
ويقول الشيخ التجانى رضي الله عنه:
وأوصى من كان مقدّماً على إعطاء الورد أن يعفو للإخوان عن الزلل وأن يبسط رداء عفوه على كل خلل وأن يجتنب ما يوجب فى قلوبهم ضغينة أو شيناً أو حقداً وأن يسعى فى إصلاح ذات بينهم وفى كل ما يوجب جمع قلوب بعضهم على بعض وإن اشتعلت نار بينهم سارع فى إطفائها وليكن سعيه فى ذلك فى مرضاة الله تعالى لا لحظ زائد على ذلك وأن ينهى من رآه يسعى فى النميمة بينهم وأن يزجره برفق وكلام ليّن.
وعليه أن يعاملهم بالرفق والتيسير والبعد عن التنفير والتعسير فى كل ما يأمرهم به وينهاهم عنه من حقوق الله وحقوق الاخوان ويراعى فى ذلك قوله صلي الله عليه و سلم: (يسّروا ولا تعسّروا وبشّروا ولا تنفِّروا).
وعليه أن يتباعد عن تغريم دنياهم وأن لا يلتفت لما فى أيديهم معتقداً أنّ الله تعالى هو المعطى والمانع والخافض والرافع وليجعل همته فى تحرير دنياهم فيما فى أيديهم من التشتيت والتبذير وأن لا يطلبهم بإعطاء شىء لا من القليل ولا من الكثير إلا ما سمحت به نفوسهم ببذله من غير طلب فإنّ عقول الناس حول هذا المطاف تدور وعلى هذا المقدار تجرى بهم جميع الأمور(1).
وقال الشيخ التجانى رضي الله عنه:
عليكم بطاعة المقدم فى إعطاء الورد مهما أمركم بمعروف أو نهاكم عن منكر أو سعى فى إصلاح ذات بينكم.
مرتبة الخلافة فى الطريقة التجانية:
قال صاحب الرماح فى الفصل التاسع والعشرين:
اعلم وفقنى الله وإياك لما يحبه ويرضاه إنّ الخلافة عبارة عن نيابة الشيخ الذى كان الخليفة خليفة عنه لأنّه يوصل إلى التلاميذ ما كان الشيخ يوصله إليهم من الأذكار والخلوات والآداب والعلوم والمعارف والحاصل أنّه يفعل لهم وبهم ما كان الشيخ يفعله وله عليهم من الحقوق جميع ما كان للشيخ بحكم الخلافة والنيابة.
فإن قلت ما الفرق بين الخليفة والمقدم؟
فالجواب: أنَّ المقدم من أمره الشيخ أو من أذن له بالإذن وهكذا إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها بتلقين الأذكار اللازمة مع بعض الأذكار التى يختص بها الخواص ومن له حدّ ينتهى إليه ولكل مقدّم صادق مرتبة عظيمة تجب بها طاعته واحترامه وليس الخليفة كذلك بل هو نائب عن الشيخ مطلقاً فلذلك كان المقدّمون وتلاميذهم من جملة رعية الخليفة تجب عليهم طاعة الخليفة لأنّ وجوب امتثال أمر الخليفة وحرمة مخالفته تجب على جميع أهل الطريقة يستوى فيه من لقنه الخليفة ومن لقّنه غيره لمرتبة الخلافة فاعلم هذا واعمل عليه ترشد والله يهدى من يشاء إلى صراط مستقيم(2).
وقال رضي الله عنه فى الرماح الفصل السابع والأربعون:
إياك أن تظن أن مرتبة الخليفة ومرتبة المقدم فى إعطاء الورد من غير أن يجعل خليفة على حد سواء بل المقدم من جملة رعية الخليفة تجب عليه طاعة الخليفة هو وجماعته كما يجب على جماعته طاعته وهذا الحكم وهو وجوب الامتثال للخليفة وحرمة مخالفته يجب على جميع أهل الطريقة يستوى فيه من لقنه الخليفة ومن لم يلّقنه لمرتبة الخلافة فاعلم ذلك واعمل عليه ترشد(1).
فقد علمت مما تقدم الفرق الكبير والبون الشاسع بين مرتبة المقدم ومرتبة الخليفة ومع أنّ للمقدم مرتبة عظيمة تجب بها طاعته واحترامه إلا أنّ مرتبة الخليفة فوقه بمراحل والمقدمون كثيرون فى الطريقة ولكن الخلفاء يعزّ وجودهم وقد تجد فى قطر واسع مئات المقدمين ولا تجد فيه سوى خليفة واحد أو خليفتين والخليفة الذى نتحدث عنه هنا هو من بلغ مرتبة الخلافة من غير أبناء الشيخ التجانى رضي الله عنه وإنما هو من المنتسبين إليه من كبار أهل الخصوصية أئمة الإرشاد وشيوخ التربية وأما أبناء الشيخ التجانى رضي الله عنهم ففيهم تكون الخلافة العامة المطلقة.
سلالة الشيخ التجانى والخلافة:
أنجب سيِّدى الشيخ أحمد التجانى رضي الله عنه ابنيين هما سيِّدى محمد الكبير وقد انتقل إلى رحاب ربه شهيداً فى معركة بأم عسكر وسيِّدى محمد الحبيب الذى تولى الخلافة بعد أخيه محمد الكبير وقد أصبح نسله يحملون الخلافة إلى يومنا هذا.
وخلافة الشيخ التجانى رضي الله عنه قاعدتها أن يكون أكبر الأحفاد سناً هو الخليفة بصرف النظر عن تفوق بعضهم فى المعارف والمقامات وهذه سلسلة الذين تقلدوا الخلافة حتى اليوم وهم السادة الأشراف:
1- السيِّد محمد الحبيب بن أحمد التجانى توفى عام 1269هـ.
2- السيِّد البشير بن محمد الحبيب توفى عام 1329هـ.
3- السيِّد علال بن أحمد عمار بن محمد الحبيب توفى عام 1338هـ.
4- السيِّد محمد الكبير بن البشير بن محمد الحبيب توفى عام 1350هـ.
5- السيِّد محمود بن البشير بن محمد الحبيب توفى عام 1353هـ.
6- السيِّد الطيب بن علال بن أحمد عمار بن محمد الحبيب توفى عام 1394هـ.
7- السيِّد على بن محمود بن البشير بن محمد الحبيب توفى عام 1410هـ.
8- والخليفة الحالى للتجانية هو:
السيِّد عبد الجبار بن محمد البودالى بن علال بن أحمد عمار بن محمد الحبيب رضي الله عنهم أجمعين.
وقد يتساءل البعض لماذا لا تكون الخلافة العظمى للطريقة التجانية لغير أولاد الشيخ؟ يجيب على ذلك الشيخ الحافظ التجانى فى (الرسالة السادسة إلى جماعة الوحدة الإسلامية التجانية) حيث قال:
"من كلام سيِّدى عبد المالك بن العلمى رضي الله عنه أننا إذا أردنا أن نجعل أىّ شيخ من مشايخ الطريقة هو المرجع الأعلى لأهلها فى شئونهم الخاصة بالطريقة- لتعذّر ذلك لاتساع نطاق الأحباب فى مختلف البلاد فقد يشتهر رجل فى منطقة إلا أنّه قد لا يعرف فى منطقة أخرى وبالتالى لن يكون له من الولاء ما للشيخ الآخر المعروف فى منطقته ولكن فضل أبناء الشيخ متفق عليه بين أهل الطريقة ومن تعمد عدم الاتصال بهم فمحبته للشيخ رضي الله عنه مدخولة ولذا يجب أن يكون من يتولى الخلافة الظاهرة من أبناء الشيخ رضي الله عنه هو المرجع الأعلى لشئون الأحباب فى الطريقة فى العالم كله والحمد لله أنّ كل من تولى الخلافة حتى الآن من أبناء الشيخ التجانى هو أهل الخلافة من جميع الوجوه وتتحقق فيه الولاية ومقام المشيخة(1).
التجانية طريقة جهاد فى سبيل الله:
إنّ الطريقة التجانية قد لعبت دوراً كبيراً فى نشر الإسلام وتصحيح العقيدة ونهض رجال مخلصون منتسبون لهذه الطريقة فقاموا بحركات الإصلاح والتجديد ونجحوا فى إرساء أسس العقيدة الإسلامية على أساس صحيح وما زالت شعوب غرب إفريقيا تدين إلى زعماء هذه الحركات الإصلاحية ومن أبرز الزعماء الذين ساهموا بشكل فعّال فى مقاومة التوسع الأوربى ذلك المجاهد التجانى الحاج عمر الفوتى التكرورى الذى اعتبر أنّ رسالته المقدسة هى تنقية الإسلام فى السودان الغربى من كلّ ما علق به من شوائب ووضع حد للوثنية وتطبيق الشريعة الإسلامية(2).
إنّ كفاح أتباع الشيخ التجانى رضي الله عنه ضد الاستعمار الفرنسى والبريطانى هو ملحمة الملاحم التى تحدثت عنها كتب التاريخ والمجلات والإذاعات وكان الاستعماريون الفرنسيون والإنكليز يصرّحون بأنّ التجانيين هم أعداءهم الأشداء الألداء لأنهم يمثلون قلب الإسلام(1).
وفى كتاب الإسلام الصراط المستقيم قال فيه ما نصه:
وفى القرن السابع الهجرى "الثالث عشر الميلادي" كانت "تمبكتو" مركز الثقافة الإسلامية وبعد خمسة قرون أصاب التوسع قوة دفع جديدة عندما تأسست دولة "سوكوتوا" وأخضعت أغلبية السودان الغربى لها بمساعدة الاخوة الصوفية المراكشية - مريدى الطريقة التجانية آهـ(2).
الشيخ عمر بن سعيد الفوتى خليفة السادة التجانية فى غرب إفريقيا:
قال في كتاب حاضر العالم الإسلامى:
أسس أشياخ الطريقة التجانية فى كن كان مكاتب ونشأ مرابطون كثيرون كانت لهم اليد الطولى فى نشر الإسلام فى إفريقيا الغربية والجنوبية(3).
والإسلام ممتد أيضاً فى الجهات الجنوبية الغربية من غينيا والسبب فى امتداده إلى هناك هى فتوحات القبائل الشمالية مثل السونونيكا والترودو والديولا والدياكانكة ومن هذه الأقوام جنّد الحاج عمر أحسن عساكره وقد خلّف مريدين قاوموا الفرنسيس أشد المقاومة مثل المرابط محمدو لامينا درامى(4).
وأهم مراكز التجانية عين ماضى على بعد 70 كيلومترا من الأغوات وفى تماسين وهم كثيرون فى مراكش ولقد تبع الطريقة التجانية عدد كبير من أهالى ماسينة وأهالى فوتا تورو Fouta Toro وفوتا جالون وأمة البله وصاروا من أشد أنصار الإسلام وانضموا حول راية الحاج عمر فكانوا طيلة أربعين سنة هم سادة السودان من تمبكتو إلى الأوقيانوس الأطلنطيكى….
ولما علت كلمة الحاج عمر ونظر الناس إليه نظرتهم إلى المهدى حشد جيشاً صغيراً وأثار جميع مسلمى بلاد غابون.
وهزم البامبارة الوثنيين شر هزيمة فى تومبا واستولى بعدها على كونيا كارى سنة 1854 وجعل مقره العام فى نيوروNioro ثم استولى على مملكة سيغو وعلى بلاد ماسينه وكانت وفاة الحاج عمر سنة 1865م وهو فى حرب مع زنوج ماسينه وقد خلّف للطريقة التجانية سلطنة إسلامية عظيمة فى وسط بلاد الزنوج الفتيشيين.
ثم خلّف الحاج عمر ابن أخيه ومريد آخر اسمه أحمدو شيخو ابن عمر وحاولا توسيع فتوحات الحاج عمر وأثارا أهالى فوتا تورو والسونينكة الذين فى بلادKaarata والتوكولور الذين بالسنغال على فرنسا فصار وجود هذه السلطنة التجانية خطراً عظيماً على سيادتنا.
وكان تحرير الخلاف هو هذا: هل يتم تمدين السودان الغربى على يد فرنسا وضباطها المبشرين المسيحيين أم على يد التجانية رسل الإسلام؟
فالكولنيل أرشنينارد بأخذه جنة Djenne وبندجاقار أوقف غارة التجانية فى هذا القسم من إفريقيا ويسّر فتح السودان بين يدى المدنية الأوروبية ثم عقب ذلك فتح الكولنيل دورغنيس ديبورد Dorgnis Desbordes لبلد باماكوBammakou واستلحاق الكموندان غاليينىGalieni لبلاد فوتاجالون وافتتاح الكولنيل أرشنينارد لبلاد ماسينه وتتوجت جميع هذه الفتوحات باحتلال تمبكتو (10 يناير 1894) مما خلد أعظم الشرف للعساكر الفرنسية وأعاد ذكرى ظفر شارل مارتل فى بواتييهPoitiers بسبب ما كان يترتب من النتائج العظام لمستقبل إفريقيا فيما لو لم يتم هذا الظفر(1).
هذه الكلمات قالها الكاتب الفرنسى بونة مورىBonet Maury فى كتاب (الإسلام والنصرانية فى إفريقيا) ولقد علق المترجم شكيب أرسلان على ما قاله هذا الكاتب الفرنسى قائلاً:
يشير إلى أنّ إفريقيا كانت تكون كلها إسلامية لولا قضاء فرنسا على سلطنة التجانية هذه كما أن أوربا كانت تكون إسلامية لولا انتصار شارل مارتل على العرب فى بواتييه وهى الكلمة التى يتفق عليها مؤرخو الإفرنج.
واستمر جهاد الحاج عمر وابنه أحمدو مدة قاربت نصف قرن من الزمان أرهق فيها المسلمون الفرنسيين الذين اضطروا إلى تغيير القيادة أكثر من مرة وتحملت الميزانية الفرنسية نفقات كثيرة وتكبدت القوات الفرنسية أعداداً كبيرة من القتلى والجرحى لكن رغم كل هذا فقد فعل التسليح الأوربى الحديث دوره فى هذه اللقاءات وحسم الموقف لصالح الفرنسيين إلى حين حتى يستعد المسلمون لجولة جديدة من النضال خصوصاً وأنّ مبادىء العقيدة كانت ترسخت فى القلوب ولم تستطع قوى البغى والقهر والعدوان أن تنال منها وهذه من أعظم ثمار جهاد الحاج عمر التكرورى الذى استشهد فى المعارك العسكرية وهو يدافع عن دين الإسلام وحضارته.
وإذا كان الجهاد فى سبيل الله قد واجه المسيحيين فى غرب إفريقيا وانتهى اللقاء لصالح قوى المسيحيين إلا أنّ الطريقة التجانية ظلت كامنة فى النفوس عالقة فى القلوب بل ازداد المسلمون تمسكاً بها وحافظوا على تقاليدها فى وجه التيارات المسيحية والوثنية وظلت هذه الروح الثورية الدينية تمارس نشاطها وتحافظ على العقيدة الإسلامية حتى هبت جميع شعوب المنطقة فى وجه الاستعمار الفرنسى وأجبرته على أن يحمل عصاه ويرحل عن أرض القارة الإفريقية التى عادت للإسلام والمسلمين(1).
وهنالك علم من أعلام الجهاد فى عصرنا الحاضر وقائد من قادة الكتائب المسلحة فى الثورة الفلسطينية فى جهادها ضد الاحتلال الصهيونى أبلى بلاءً حسناً وجاهد جهاداً عظيماً حتى استشهد فى سبيل الله فلقى ربه راضياً مرضياً وخلّف من بعده شباباً يواصلون المسيرة من بعده ويناضلون من أجل رفعة الإسلام والمسلمين وقد تأثّروا بالقائد المجاهد الإمام الصوفى الخليفة التجانى الشيخ عز الدين القسام فسمّوا حركتهم الجهادية باسم كتائب القسام تخليداً لاسمه وعرفاناً لفضله.
الشيخ عز الدين القسام خليفة السادة التجانية فى فلسطين:
عبد الله شليفر مستشرق أمريكى مسلم له عدة دراسات منها كتاب ( سقوط القدس) وكتاب (فكرة الجهاد فى العصر الحديث) نشر بحثاً عن موقف التجانيين أثناء الثورة الفلسطينية بعنوان (الشيخ عز الدين القسام حياته وفكره ) قال فى بحثه:
فى 21 تشرين الثانى من نوفمبر 1935م نشرت صحيفة جيروزلم بوست على ثلاثة أعمدة فى صدر صفحتها الأولى نبأ اصطدام رجال الشرطة البريطانيين بمسلحين عرب بجوار (جنين) واصفة المسلحين برجال العصابات وقطّاع الطرق ذاكرة أنّ الشيخ عز الدين القسّام كان بين القتلى ناعتة إياه بمنظم العصابة غير أن دوائر الاستخبارات البريطانية والصهيونية أعلم منه بالحقيقة فهى تعرف أنّ الشيخ عز الدين القسّام رئيس لجمعية الشبان المسلمين وخطيب واسع الشعبية فى جامع الاستقلال بجوار محطة حيفا الحديدية ومأذون فى محكمة حيفا الشرعية ثم إنه كان تحت المراقبة وقد استدعى للتحقيق معه ووجه إليه التحذير من الدعوة العلنية للجهاد ضد الاحتلال البريطانى والاستعمار الصهيونى خلال العقد المنصرم ثم إنّه كان متهماً بتنظيم سلسلة من الهجمات المسلحة السرية على المستوطنين اليهود والموظفين البريطانيين في حيفا وجوارها ابتداءً من أوائل الثلاثينات ... وانتقل إلى جبال بجوار يعبد) بين نابلس وجنين فى أوائل تشرين الثانى نوفمبر وبعد مقتل شرطى يهودى عامل فى القوات البريطانية طوقت مجموعة عز الدين القسّام بقوة كبيرة من رجال الشرطة والجيش البريطانيين ودعيت للاستسلام غير أنّ عز الدين القسّام دعى رجاله للمقاومة والاستشهاد وفتح النار على القوة التى كانت تطوّقه وقد ألهب تحدّيه والطريقة التى استشهد بها حماس الشعب الفلسطينى … وبعد خمسة أشهر استطاعت مجموعة من المجاهدين بقيادة أحد رفاق عز الدين القسّام أن تنصب كميناً لمجموعة من اليهود فى شمال فلسطين وفى الأسابيع اللاحقة نشأت فى مختلف أنحاء فلسطين مجموعات من الفدائيين فى القرى والمدن بقيادة آخرين من أنصار عز الدين القسّام وبذلك بدأت ثورة عام 1936م.
ولد عز الدين القسّام فى جبلة فى منطقة اللاذقية فى سوريا عام 1882م 1300هـ وكان جده وشقيق جده اللذان قدما إلى جبلة من العراق شيخين بارزين فى الطريقة القادرية كذلك كان والده عبد القادر موظفاً فى المحكمة الشرعية فى ظل الحكم العثمانى لكنه كان معروفاً بأنه مرشد الطريقة القادرية وهناك قول آخر بأنّ والده كان يتبع الطريقة النقشبندية أيضاً وهى التى لعبت دوراً ملحوظاً فى مكافحة الفتوح الاستعمارية فى القرن التاسع عشر فى سوريا.
وفى أوائل العشرينات التقي عز الدين القسّـــام بالشيخ الجزائرى محمد بن عبد المالك العلمى الذى عمل على الحصول على إذن لزوجة عز الدين القسّام وبناته للخروج من سوريا واللحاق بالشيخ فى فلسطين .
وللشيخ الجزائرى أثر آخر على الشيخ عز الدين القسّام فهو مقدم فى الطريقة التجانيــة جاب الشرق العربى فى أوائل القرن العشرين وأنشأ فروعاً وزوايا لهذه الطريقة فى مصر والسودان وليبيا وسوريا وفلسطين والعراق والجزيرة العربية وأدخل عز الدين القسّام وثلاثة آخرين فى هذه الطريقة حتى بلغ رتبة مقدم فيها.
وإذا كان عز الدين القسّام لم يسع إلى إدخال الآخرين فى هذه الطريقة فإن حركة المجاهدين التى بناها فى حيفا كانت على أساس الطريقة التجانية.
فى حياة عز الدين القسّام شئ يصعب إداركه حتى على أشد المعجبين بالحركة القومية العربية فهذا أحمد الشقيرى يكتب بتأثر عن محاولته كمحامى قوى شاب للدفاع عن القسّاميين الذين نجوا بعد معركة (يعبد) ويشير إلى ذهوله أمام هدوءهم ورباطة جأشهم بانتظار المحاكمة لقد اعتمد أحمد الشقيرى فى بحثه عما يدافع به عنهم أن القساميين تعرّضوا لتعذيب وإكراه على الاعتراف والواقع أنهم اعترفوا بحرية باسهامهم فى المعركة وقالوا إنّهم مجاهدون فى سبيل الله ولن يصيبهم الا ما كتبه الله لهم.
انتهى ما نقلناه من بحث المستشرق الامريكي المسلم عبد الله شليفر(1).
إن هذا عرض سريع وبيان موجز لجهاد التجانيين فى سبيل الله وإسهامهم فى نشر الاسلام ومحاربة النصرانية والوثنية يتبيّن به الدور الكبير الذى قامت به الطريقة التجانية فى الإصلاح والتجديد وتزكية المجتمع المسلم فى كثير من البلاد التى ضعف فيها شأن المسلمين.
وقد تحمّل أبناء الشيخ التجانى وأحفاده نصيباً كبيراً من عبء الجهاد فى سبيل الله ونهضوا نهضة عظيمة فى رد المظالم ونصر المستضعفين ومحاربة المستعمرين وعلى رأس هؤلاء وفى مقدمتهم سيّدى محمد الكبير بن سيّدى أحمد التجانى وسيّدى أحمد عمار بن سيّدى محمد الحبيب رضى الله عنهم أجمعين.
سيّدى محمد الكبير وجهاده:
كان سيّدى محمد الكبير بعين ماضى فى دار الشيخ التجانى رضي الله عنه مع أخيه سيّدى محمد الحبيب وأهلهم فى غاية الاحترام يقصدهم الخاص والعام للاقتباس من نورهم التام فانتفع على يديهم جم غفير من الناس وكان سيّدى محمد الكبير واسطة عقدهم ومنار رشدهم يلتجئ إليه الفقير ويحتمى به الغنى وينهض بداعية الانتصار للحق للمدافعة عن الفقراء حتى توفاه الله شهيداً فى الواقعة الهائلة التى استشهد فيها معه أكثر من ثلاثمائة من أصحابه وأحبابه قرب مدينة أم عسكر من القطر الجزائرى وقد تناول جماعة من المبغضين القول فى هذه الواقعة وأطلقوا لسانهم فى جانب سيّدى محمد الكبير بما هم عنه مسؤولون بين يدى الله منهم مؤلف القول الأعم فى الحشم وهو تأليفه فى نحو كراسين سوّدهما بسبه الفادح واتهمه بأنه أراد الملك والخروج على حاكم الجزائر التركى وتعرّض لهذه الواقعة أيضاً مؤلف تحفة الزائر ولم يقصِّر فى هضم هذا الجانب ….
كان خروج سيّدى محمد الكبير من عين ماضى إلى أبى سمغون مع إخوانه وأخواله قاصداً مدينة أم عسكر حين استنجده الحشم ومن جاورهم من القبائل فى فك رقبتهم من المظالم التى ألزمهم بها محمد باى التركى أمير الجزائر مع ما كان ضربه هذا الباى من المغارم الكثيرة على أهل عين ماضى حتى كان سيّدى محمد الكبير يدفع عنهم له مالاً كثيراً اتقاءً لشره فتعّين عليه إغاثة من استنجده واستنصر به بعد أن سمع هاتفاً فى خلوته مراراً بالأمر له بالنهوض للدفاع عن الضعفاء.
فتحرك بجيش من أهل أبى سمغون وأهل الصحراء مع من انضاف إليهم من الأحباب حتى وصل للحشم فسمع به الباى فوجه إليه جيشاً عرمرماً وعندما تقابل الجيشان خان الشحم عهدهم وفتكوا بمن معه واستشهد معهم .
ولا منقصة فى امتحان خواص أهل الله بمثل ما وقع لسيّدى محمد الكبير فقد امتحن بمثل ذلك الحسن والحسين وهما سيّدا شباب أهل الجنة وريحانتا جدهما سيّد الوجود عليهم السلام وغير هذين السيدين من خواص الخواص الأعيان بين أبناء الزمان فلم ينقص ذلك من فضلهم شيئاً عند الله وعند أهل الله(1) .
سيّدى أحمد عمار وجهاده:
وأما سيّدى أحمد عمار بن سيّدى محمد الحبيب فقد قاد ثورة مسلحة ضد فرنسا واستمرت لعدة سنوات وفى أوائل سنة 1869م اقتحمت الجيوش الفرنسية بقيادة الجنرال (سونيز) بلدة عين ماضى مقر سيّدى أحمد عمار وقمعت الثوار واعتقلت سيّدى عمار فى مدينة الجزائر ثم نفته إلى فرنسا وخافت فرنسا أن يتولى أخوه سيّدى محمد البشير قيادة الثورة عليها فاعتقلته وألحقته بأخيه فى المنفى ولقد ظلا معتقلين منفيين طوال الحرب السبعينية التى قامت فى أوربا.
ثم جـاء سيّدى محمود بن سيّدى محمد البشير وتعاون تعاوناً وثيقاً مع الأمير عبد الكريم الخطابى أمير الجهاد فى حرب الريف ضد فرنسا وأسبانيا.
وخرج سيّدى الحاج ابن عمر وهو الابن الأكبر لسيّدى محمد الكبير بن سيّدى محمد البشير وطاف العالم العربى والاسلامى فدخل مصر والسودان والسنغال ومالى ونيجيريا والكنغو يشرح القضية الجزائرية ويدعو المسلمين لتأييد إخوانهم فى الجزائر وكانت فرنسا تراقب نشاطه ولما عاد إلى الجزائر تمّ اعتقاله واستجوابه وذلك فى سنة 1950م.
وفى 18/3/1957م أذاعت محطة صوت العرب من القاهرة أن الفرنسيين اعتقلوا سيّدى ابن عمر زعيم التجانيين والسيّد باش أغا حميدة والسيّد مولودى ووجدوا عندهم أسلحة وصلة وثيقة بالثوار(1).
ومما سبق يبتين لك أنّ الطريقة التجانية حركت كوامن النفوس وأشعلت جذوة الجهاد وأيقظت الأمة من سباتها العميق ونفخت فيها روحاً جديدة بعد الخمول والضعف والذلة والهوان فنشأت أجيال تحب الجهاد والذكر والعبادة وتسعى فى طلب العلم بنهم وشغف وذلك بفضل القدوة المرشد الشيخ التجانى الفانى فى محبة الله العالم التقى الزاهد الورع المتبتل إلى الله تبتيلاً.
جهاد شيوخ التجانية فى السودان:
وفى السودان شارك شيوخ التجانية وكبار مقدّميها فى الجهاد ضد الانكليز والأتراك إبّان الثورة المهدية وكان منهم قواد وأمراء أبلو بلاءً حسناً وكان لهم الدور الكبير والإسهام الفاعل مع غيرهم من شيوخ الطرق الصوفية الأخرى فى تحرير البلاد وتطهيرها من دنس المستعمرين .
ونذكر منهم على سبيل المثال شيخ الإسلام الإمام العلامة الأستاذ محمد البدوى شيخ الطريقة التجانية أدرك الإمام المهدى وجاهد معه الانجليز والأتراك لكونهم أظهروا الفسوق والطغيان فاستحقوا لذلك التطهير بالسيف ومن مواقفه المشهورة فى قول الحق منع اللورد كرومر المندوب السامى لملك بريطانيا الذى كان يرجف من هيبته خديوى مصر منعه من دخول المسجد بأم درمان وقال: (لا يصح دخوله المسجد)… وكان الشيخ الإمام محمد عبده حاضراً فأفتى بصحة دخوله فقال الشيخ محمد البدوي دخوله المسجد لا يصح وهو مشرك كافر والله تبارك وتعالى يقول: {إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام} ثم التفت إلى اللورد كرومر وانتهره نهرة شديدة تقهقهر لها المندوب السامى البريطانى الذى يرجف من هيبته ملك مصر.
وهناك الشيخ الطيب أحمد هاشم بن الشيخ أحمد هاشم قاضى بربر وعالمها وأخو شيخ الإسلام الشيخ أبو القاسم أحمد هاشم أدرك المهدية وشارك في حروبها وكان وزيراً للأمير الصوفى الشيخ محمد الخير خوجلى التجانى وكان الشيخ الطيب أحمد هاشم هو المتردد بالرسائل بين الأمير والمهدى وصحب الشيخ محمد الخير فى إمارته على دنقلا ثم شغل منصب أول مفتى للسودان وأقام فى الإفتاء مدة ربع قرن .
وهناك الشيخ محمد الخير خوجلى شيخ الطريقة التجانية وأمير المهدية على بربر ونواحيها هاجر إلى المهدى فى كردفان فجعله أميراً على بربر وأصحبه رسائل إلى رؤوس قبائلها يدعوهم فيها إلى طاعته والجهاد معه ضد الترك فرجع الأمير محمد الخير من عند المهدى فى 27/4/1884م ونزل فى وادى بشارة فلقى الشيخ الصوفى أحمد الهدى شيخ الطريقة التجانية فبايعه على الجهاد ثم سارا شمالاً يصحبه الشيخ أحمد الهدى وهو يدعوا الناس فى طريقه فيجيبونه حتى دخل المتمة فى جيش كبير فلقى فيها الحاج على ود سعد النفيعابى فبايعه على الجهاد ثم لحقه الشيخ محمد حمزة السعدابى الذى قطع التلغراف بين بربر والخرطوم وأرسل الأمير محمد الخير بعض رجاله فقطعوا التلغراف بين بربر ومصر وكان قطعه من أكبر الضربات على غردون ثم وصل إلى الدامر فلقى فيها الشيخ الأمين أحمد المجذوب شيخ المجاذيب فبايعه على الجهاد وأرسل الشيخ محمد الخير رسالة من الدامر إلى حسين باشا مدير بربر وضباط الحامية هناك يدعوهم إلى التسليم ثم عاودهم بالإنذار إلى ثلاث مرات فلما رأى إصرارهم على الحرب سير عليهم الجيوش من الدامر تباعاً ثم وصل هو إلى بربر في 12/5/1884م فنزل مع الحاج على ود سعد وعبد الماجد أبولكيلك فى حلة (الدكة) فحصر بربر من الشمال وأمر ود بنونة السعدابى فنزل فى (قوز الفونج) وحصرها من الجنوب وحصرها البشاريون والجعليون من الشرق وبدأت المعركة فى صبيحة الجمعة 16/5/1884م فكانت ملحمة من أروع الملاحم بقيت أمجادها تراثاً للمسلمين وسقطت بربر فسقط غردون فقط دابر القوم الذين ظلموا.
وهناك الشيخ أحمد الهدى السوارابى - شيخ التجانية - أرسل إليه المهدى سيفـاً وألف ريال والأمارة على دنقلا فلما نزل عليه الشيخ محمد الخير فى وادى بشارة بايعه على الجهاد وسار معه إلى حصار بربر وأرسل خاله ود عبود بخطاب إلى الشيخ الطيب الشايقى السوارابى يستنهضه للجهاد فجمع الشيخ الطيب جموعه ونزل على دار الحكومة فسيطر على المواقع فيها واستلب الخزينة والشونة ثم سار فى وجهه شمالاً يستنفر أهل البلاد للجهاد وكان مدير دنقلا مصطفى باشا ياور قد لحق به فى منطقة ( الكرو) شمال ( دبة الفقراء) وباغت الشيخ الطيب بالهجوم فقتل فيهم مقتلة عظيمة وشتت جموعهم وكان ذلك قبل سقوط بربر بيوم ولما سقطت بربر تحرك الشيخ الهدى فى نحو أربعمائة مقاتل وجاء بلاد الشايقية ونادى بالنفير فاجتمع عليه الناس من الشايقية والشيخ نعمان ود قمر شيخ المناصير وبعض بادية الحسانية والهواوير فزحف بهم قاصداً الدبة وهاجم حاميتها التى كانت محصنة بالمدافع فقتل الشيخ نعمان ود قمر شهيداًًوقتل من جيش الهدى نحو 2700 شهيد ثم جرت الملحمة الكبرى في يوم الخميس 4/9/1884 قرب ( كورتى) وكانت معركة عنيفة قتل فيها الشيخ الهدى شهيداً وقطع فيها مصطفى ياور باشا رأس الشيخ الهدى رحمه الله وأرسله إلى سردار الجيش المصرى بحلفا وطلب منه أن يرسله إلى الخديوى بمصر فكتب إليه السردار بأنّه لم تجر العادة فى هذه البلاد بمثل هذه الأفعال وقد نعى الإمام المهدى فى رسالته التى أرسلها إلى (زقل) أمير دافور بتاريخ 8 ذى الحجة 1301هـ موافق 29/12/1884م نعى فيها الشيخ أحمد الهدى وأشاد بجهاده فى رفع راية الاسلام(1).
مرتبة الشيخ التجانى فى العلم الظاهر:
إنّ الشيخ التجانى رضي الله عنه كان آية من آيات الله العظام أكمل الله له الشريعة كما أكمل فيه الحقيقة متبعاً للسنة الشريفة يحب الإكثار من ذكر الله ولا تفارقه سبحته استجمع شروط المشيخة والاقتداء على وجهها يتبرأ من الدعوى ولا يحب من يمدحه بحضرته وينسب القصور للنفس ويرى النقص منها بلغ فى الأدب أقصى الغايات ولهذا سار الناس إليه من أقاصى البلدان يتبركون به ويأخذون عنه.
قال الشيخ محمد بن سليمان المناعى التونسى:
إن الشيخ التجانى رضي الله عنه بحر فى علوم الشرع الظاهر لا مثيل له فيما رأت عينى يحفظ من كتب الفقه مختصر ابن الحاجب ومختصر الشيخ خليل وتهذيب البراذعى على ظهر قلب وحكى لى أنه يحفظ جميع ما سمع من سماع واحد .
وأما كتب الحديث: فيحفظ صحيح البخارى وصحيح مسلم والموطأ على ظهر قلبه وأما كتب التوحيد فهو نظير الغزالى في هذا الوقت(2) .
ولأجل هذه المكانة العالية والرسوخ التام فى علوم الشريعة المطهرة أذعن له العلماء واستسلمت الفحول وانتظموا فى طريقته المحمدية وذاع صيته فى سائر الأرجاء والنواحى وأصبحت زاوية الشيخ التجانى بمدينة فاس وجهة القاصدين وفاس هى مدينة العلم والعلماء تكاد حيطانها تتفجر علماً .
ولما وصل الشيخ التجانى رضي الله عنه إلى فاس هرع إليه العلماء راجعين إليه فى معضلات المباحث فى العلوم والفتوى وهو يزيل إشكالاتها بعبارة سلسلة واضحة مع الحجج البيّنة فأخذوا عنه واتفقوا على تقدمه فى الفضل وصحة الاقتداء به لم يشذّ عنهم فى ذلك واحد(1).
فكان ظهور الشيخ التجانى فى هذه البقعة اللامعة وهو ابن عين ماضى بالجزائر بين هذه الكوكبة الأجلاء والصالحين الأتقياء دلالة واضحة على علو شأنه وعظيم مكانته وسعة علمه ورسوخ قدمه خاصة وعند ظهوره برز كالقمر وسط النجوم والتف حوله الخاصة والعامة يلتمسون نوره والاستزادة من معارف أسراره والارتواء من ينبوعه .
وتتلمذ على الشيخ التجانى رضي الله عنه مولانا السلطان سليمان وبلغت الصلة بينهما شأواً بعيداً إلا أنها كانت خالصة لله لا تشوبها مصلحة ولا غرض وبالرغم من هذه الصلة القوية اعتذر الشيخ التجانى من قبول هبة السلطان سليمان له عند بناء الزاوية الكبرى بفاس .
شيخ هذا شأنه من علو النفس وسمو المنزلة وهيبة التقوى وزهد الدنيا لا عجب أن يبز كل علماء وفقهاء وصلحاء تلك المدينة العلمية وكان من أسباب اختياره هذه المدينة العظيمة أيضاً أن يكون موضع اختبار العلماء وامتحان الفقهاء وتذوق الصلحاء فكان له ما أراد فسطع نجمه بينهم جميعاً وهى المشهود لها بزحام العلماء وزخم الأولياء(2).
ثلاثة من كبار العلماء فى التجانية:
إنّ الطريقة التجانية قد عرفت بين الناس واشتهرت بأنها طريقة العلماء وما ذاك إلا لكثرة من دخل فيها من العلماء وقد التفت حول الشيخ التجانى كوكبة عظيمة من علماء فاس وسائر نواحى بلاد المغرب وتتلمذ له أئمة كبار هم سادات العلماء فى بلاد المغرب بالإجماع ومن أراد أن يتبيّن حقيقة هذا الأمر فعليه بمطالعة كتاب كشف الحجاب وغيره من كتب تراجم علماء فاس والمغرب الأقصى فسوف يجد ذلك واضحاً جلياً وقد أحببت أن أذكر هنا فى هذا البحث المختصر تراجم لثلاثة من الأئمة الأعلام الذين انتسبوا لهذه الطريقة التجانية وانتشرت على أيديهم انتشاراً عظيماً وهم:
العلامة سيِّدى ابراهيم الرياحى:
هو علامة الزمان بالاطلاق وفريد الأوان بلا شقاق خاتمة المحققين وفاتحة أهل اليقين الولى الكامل والحجة الواصل البركة الأجل والغطريف الأفضل أبو إسحاق سيّدنا إبراهيم بن عبد القادر الرياحى التونسى رضي الله عنه هذا السيّد الجليل من أفاضل أصحاب الشيخ التجانى رضي الله عنه الذين حصلت لهم العناية الدائمة ونالوا الخلافة بعده فى الهداية والإرشاد والأخذ بيد العباد أخذ الوالد الشفيق بيد أعز الأولاد وقد ترجم له فى البغية عند قول المنية فى تعداد بعض العلماء الجلة الذين حصل لهم الفتح على يد الشيخ التجانى رضي الله عنه.
والتونسى العالم الرياحى جمع بين العلم والصلاح
وكان الشيخ الرياحى ذا همة عالية أبية لا ترضى بسفساف الأمور ولا يحب إلا سلوك الطريقة السنية سيما الطريقة التجانية ذات المواهب العرفانية وقد ألف تأليفاً فى الرد على بعض المنكرين على طريقة الشيخ التجانى رضي الله عنه (سماه بمبرد الصوارم والأسنة فى الرد على من أخرج الشيخ التجانى من دائرة أهل السنّة) قال فيه بعد الخطبة:
اعلم أن الشيخ المشار إليه من الرجال الذين طار صيتهم فى الآفاق وسارت بأحاديث بركاتهم وتمكنهم فى علمى الظاهر والباطن طوائف الرفاق وكلامه فى المعارف وغيرها من أصدق الشواهد على ذلك ولقد اجتمعت به فى زاويته بفاس مراراً وبداره أيضاً منها وصليت خلفه صلاة العصر فما رأيت أتقن لها منه ولا أطول سجوداً وقياماً وفرحت كثيراً برؤية صلاة السلف الصالح ولخفة صلاة الناس اليوم جداً كادوا أن لا يقتدى بهم الخ.
وكان السبب في تأليفه صدق محبته فى جناب سيّدنا رضي الله عنه مع شدة اتباعه لطريق الحق وعدم سكوته على الباطل إن رآه ولما بلغ خبر هذا التأليف سيّدنا رضي الله عنه كتب لصاحب الترجمة ولأخويه فى العلم والطريقة والشاربين من منهل الحقيقة سيّدى محمد بن المشرى وسيّدى محمود التونسى رضى الله عن الجميع بعد السلام ما نصه:
يليه إن الكتاب الذى جمعه سيّدنا ابراهيم الرياحى فى الرد على من طعن فينا ونسبنا إلى الاعتزال والنكير علينا فلا تلتفتوا لكلامه ولا تبالوا به ولا تهتموا من شأنه وإنما هو رجل أعماه الحسد واستولى الران على قلبه وليس هو من فرسان هذا الميدان حتى تلتفتوا إليه وإنما هو كما قيل ليس بعشّك فادرجى ولنا فى الرسل عليهم الصلاة والسلام أسوة نسبوا إلى الشعر وإلى الجنون وإلى الكهانة وإلى السحر وما التفتوا إليه وما أهمهم أمر من نسبهم إلى ذلك الخ(1).
الفقيه سيّدى محمد الكنسوسى:
هو علامة الزمان الذى لا نظير له فى الأقران غواص بحار العلوم لاقتناء الطرائف وخائض لجج المعارف لادخار جواهر اللطائف أبو عبد الله سيّدى محمد بن أحمد كنسوس القرشى الهاشمى الجعفرى رضي الله عنه هذا السيّد من جملة المشهود لهم بالفتح فى هذه الطريقة المحمدية المشتهر فضله بين الخاصة والعامة والموصوف بالولاية التامة القائم فى إرشاد العباد على ساق الجد والاجتهاد لا تأخذه فى الله لوّمة لائم .
وكان رحمه الله آية من آيات الله الباهرة بما أولاه الله من المناقب الفاخرة والكرامات الظاهرة والعلوم الزاخرة والأسرار والمعارف والفتوحات واللطائف والحقائق والرقائق والدقائق والخوارق للعادة بين الخلائق قد جمع الله له بين الدين والدنيا وأجلسه على منصة العز العليا.
قال فى كتابه الجواب المسكت بعد كلام ما نصه: كنا فى حال الحداثة وحين السّعى فى تحصيل ما قسم من علوم الرسوم والأحكام الشرعية وكنا نظن إذ ذاك أنه ليس الشيوخ إلا الذين نأخذ عنهم تلك الرسوم إلا أنّ الله تبارك وتعالى بفضله ورحمته أتاح لنا فى تلك الحالة إشراقة تهدى إلى محبته ومحبة أوليائه فكنت أسمع بعض أشياخى الصالحين الذين أقرأ عليهم يقول إذا عنّت عويصة من أقوال المفسرين أو المحدثين قال الشيخ العارف بالله تعالى سيّدى أحمد التجانى رضي الله عنه ويبالغ فى تعظيم ذكره فسألت الناس عن هذا الذى يعظمه الشيخ هذا التعظيم كلما ذكره فقيل لى:
وليّ كبير الشأن متبحر فى العلوم ولا يسأل عن شئ من العلوم إلا أجاب بصريح الحق والصواب بلا روية ولا مراجعة كتاب فكتب السائل جوابه من إملائه وحفظه كأنه يسرد من أصل صحيح فكنت أتعجب من ذلك وعلمت أن لله تعالى أولياء فزرع الله في قلبى محبة الصالحين فلم أزل أسأل عنهم وعن أحوالهم وخصوصاً شيخنا رضي الله عنه فأبحث عن أصحابه وأتلقى منهم أخباره وأحواله العجيبة.
وسبب دخولى لهذه الطريقة المحمدية التجانية أننى لما كنت بفاس وسمعت بما أعد الله تبارك وتعالى من الفضل لأهل هذه الطريقة على لسان إمامها رضي الله عنه مخبراً عن سيّد الوجود صلي الله عليه و سلم وأنها طريقة الفضل المحض لما علم الله عجز أهل الزمان عن الاستقامة التامة التى كان عليها السلف الصالح فى الزمن الصالح أظهر بفضله وكرمه هذه الطريقة المحمدية التى هى طريقة الفضل فى هذا الزمان الفاسد ليسعد الله بها من شاء من أهل السعادة فلما علمت ذلك وفهمته وتمكن منى غاية …. أخذت الورد ودخلت فى هذه الطريقة المحمدية(1).
الشيخ محمد الحافظ العلوى الشنقيطى:
ومنهم ذو المناقب الشائقة والأنوار الساطعة والفضائل الفاخرة والكرامات الظاهرة الولى الكبير والعارف الشهير علامة زمانه وفريد عصره وأوانه أبو عبد الله الشيخ سيّدى محمد الحافظ العلوى الشنقيطى أحد خاصة الخاصة من أصحاب سيّدنا رضي الله عنه المفتوح عليهم بالولاية الكبرى وقد ترجم له صاحب البغية عند قول المنية فى تعداد المشهود لهم بالفتح على يدى سيّدنا رضي الله عنه:
والعلوىّ الوارث الربانى سيّدنا الحافظ ذى العرفان
إنّ الشيخ الحافظ هذا رضي الله عنه لما حصل من العلوم الرسمية ما حصل وصار إماماً يرجع إليه فيها عزم على الحج لبيت الله الحرام وزيارة قبره عليه الصلاة والسلام وجعل من أهم مقاصده التى يطلبها فى رحلته تلك ملاقاة شيخ كامل من أهل الله تعالى فاتفق أن رافقه فى الركب الذى توجّه فيه رجل من أهل سلجماسة لأنّه توجّه فى الركب السلجماسى فلما حصلت بينهما الإلفة أفضى كلاً منهما لصاحبه بسره وكان مطلب الرجل السلجماسى كمطلب الشيخ الحافظ فتعاهدا على أن يخبر من عثر على المراد فى ذلك صاحبه فلما وصلا مكة جعل الشيخ الحافظ رحمه الله تعالى لا يألوا جهداً فى طلب ذلك من الله تعالى فى جميع أماكن الإجابة فبينما هو ذات يوم فى الطواف إذ لقيه رجل فأسر إليه شيخك هو فلان وذكر له اسم الشيخ رضي الله عنه ولم يكن طرق سمعه فأتى صاحبه وأخبره ثم جعلا يسألان عن الاسم الذى ذكر لهما حتى انتهيا إلى أهل المغرب فأتيا جماعة فألفيا عليهم سيما الخير فسألاهم فأثنوا خيراً وعظموا الجانب وذكروا العلم والولاية ونحو ذلك وقالوا لهما إن هاهنا رجلاً هو من أخص الخاصة من أصحابه يعنون سيّدى الحاج على حرازم رضي الله عنه فنعتوا لهما محله فأخبرهما خبره فأخذ بمجامع قلب الشيخ الحافظ فعزم على التوجه لفاس بعد قضاء حجه وزيارته .
ثم بعد قضاء حجه وزيارته توجه إلى فاس فأقام عند الشيخ رضي الله عنه فى زاويته المعروفة يربيه مدة وحين أزمع على السفر إلى بلده أجاز له الشيخ رضي الله عنه فى الطريقة الإجازة المطلقة ….
وعند موادعته للشيخ رضي الله عنه قال له أوصنى فكانت وصية الشيخ رضي الله عنه له أن قال له لا تظهر بنفسك حتى يكون الله تعالى هو الذى يظهرك فتوجّه لبلده وأقام بها مدة يدرس العلم للطلبة ولا يدعو أحداً إلى طريق ولا غير ذلك عملاً بوصية الشيخ رضي الله عنه فاتفق أن رجلاً ممن يشار إليه بالصلاح وملاقاة الخضر عليه السلام أتاه ذات يوم بعد أن صلى العصر بتلامذته وجلس إليهم يذاكرهم فلما دنا الرجل من المجلس قيل له هذا فلان فقال سبحان الله ثم قام إليه ورحب به وأجلسه إلى جنبه فامتنع الرجل أن يجلس إلا بين يديه ثم قال له أتدرى لماذا أتيتك؟ قال لا قال أتيتك بإذن لتعطينى الأمانة التى أتيت بها من التل فقال له ياسيّدى وأىّ شئ أتيت به من التل إنما أتيت ببعض الكتب فإن كان لك غرض فى بعضها جئتك به وهو لك فقال له الرجل دعنى ياسيّدى من هذا.
وإنما أتيتك لتعطينى ورد الشيخ أحمد التجانى رضي الله عنه الذى أتيت بالإذن فيه فعند ذلك أنعم له وأذن له في الورد فقام جميع من حضر ذلك المجلس ورغب إليه فى تلقينه إياه وسار كل واحد منهم إلى أهله وعشيرته فقص عليهم خبر السيّد المذكور فلم يبت بيت فى تلك الليلة من البيوت القريبة من منزل الشيخ الحافظ إلا وبـات فيـه ذكـر الشيخ رضي الله عنه ومن الغد أتاه الناس أفواجاً للأخذ عنه ثم تواصل ذلك وتراسل فانتشرت الطريق على يده أى انتشار وتخرج على يده مالا يكاد يحصى من الرجال فى هاتيك الأقطار(1).
والعجب ممن ينكر على الشيخ التجانى رضي الله عنه بعد أن يسمع بأن هؤلاء الأعلام المجمع لهم من أهل عصرهم ببلوغ مقام المعرفة اتبعوه رضي الله عنه وسلّموا له كل ما قاله ولو كان المنكر عاقلاً لعلم أنه لا يستقيم ظل عود أعوج وأنه لا يأتم أصحاب العقول بأهوج ولسلّم كما سلموا ولكن {إنك لا تهدى من أحببت ولكن الله يهدى من يشاء}(1).
براءة الشيخ التجانى من أكاذيب المفترين:
قال الشيخ التجانى رضي الله عنه:
(إذا سمعتم عنى شيئاً فزنوه بميزان الشرع فإن وافق فاعلموا به وإن خالف فاتركوه)(2).
إن الشيخ التجانى رضي الله عنه ألزم أتباعه التعلم والتبحر في العلم. ما استطاعوا إلى ذلك سبيلاً لأنّ الوزن بميزان الشرع ورّّد الأمور إلى الله ورسوله عمل لا يتأتى إلا من متعلم فالتجانية بناءً على ذلك طريقة علم وحكمة وإنّ من اتبع الشيخ التجانى ثم ارتكب بدعة ضلالة فما جنى إلا على نفسه وأما الشيخ التجانى فقد برأت ذمته بهذا الإعلان التاريخي الذى أيده سلوكه رضي الله عنه وسائر تصرفاته التى مبناها ومعيارها السنّة المحمدية كما شهد بذلك الخاص والعام(3).
ومن العجيب أنّ كل ما اعترض به المعترضون على الشيخ التجانى رضي الله عنه قد فاتهم أنه منقول إما فى رؤيا أو مشهد له حكم الرؤيا فى الشريعة لابّد من عرضه على الشرع والشيخ هو الذى قرّر ذلك الأصل كسائر أولياء الله الصالحين والفقهاء المحققين(4).
وقد ألفت كتب فى الرد على أولئك الخصوم فمنها:
1- السيف الصقيل الربانى فى نقض مشتهى الخارف الجانى.
تأليف الشيخ حسين الطماوى رداً على الخضر الشنقيطى.
2- هدم مشتهى الخارف من الأساس وقطع دابره من أيدى الناس
3- السر الربانى لرد ترهات ابن ما يأبى العانى
للشيخ الفقيه العلامة المحدث أجل علماء المغرب الإمام أحمد سكيرج العياشى.
4- القول المصيب فى رد ما قاله محب الدين الخطيب
لفضيلة الشيخ العلامة مجذوب مدثر الحجار شيخ علماء السودان ونائب مدير الجامعة الاسلامية بأم درمان بالسودان.
5- الرد المبين فى دحض افتراءات محب الدين
للشيخ العلامة الأديب الشيخ أحمد البشير بن شيخ المفتين بالسودان الشيخ الطيب هاشم .
6- قمع أهواء المتعصب
للشيخ العلامة سلطان مناشو.
7- رد أكاذيب المفترين على أهل اليقين.
8- الانتصاف.
للشيخ الامام الفقيه العلامة شيخ المحدثين محمد الحافظ التجانى.
وغير ذلك كثير …..
وقد ألّف شيخنا الإمام العلامة المحقق عمر مسعود محمد التجانى حفظه الله تعالى ونفع به الاسلام والمسلمين كثيراً من الكتب والرسائل فى الدفاع عن الطريقة التجانية والرد على الخصوم والمنكرين فمنها:
1- الرد على الافريقى دفاعاً عن الطريقة التجانية .
2- الرد على الطنطاوى دفاعاً عن الطريقة التجانية .
3- التجانية وخصومهم والقول الحق .
4- دفاع عن التجانيين فى تعليقات على رأس القلم .
5- ردع المعتدى على الجناب التجانى الأحمدى .
6- إطفاء القنديل وبيان ما فيه من الكذب والغش والتحريف والتبديل.
7- الرد على الفئة الطاعنة فى الآداب المائة.
8- إقامة الحجة بأنوار المحجة.
9- رسالة مفتوحة إلى ندوة الشباب الاسلامي .
وإليك القاعدة التى يؤسس عليها الشيخ التجانى رضي الله عنه معيار القبول والرد قال رضي الله عنه:
لنا قاعدة واحدة عنها تنبىء جميع الأصول أنه لا حكم إلا لله ورسوله ولا عبرة فى الحكم إلا بقول الله وقول رسوله صلي الله عليه و سلم وأنّ أقاويل العلماء كلها باطلة إلا ما كان مستنداً لقول الله أو قول رسول الله صلي الله عليه و سلم وكل قول لعالم لا مستند له من القرآن ولا من قول رسول الله صلي الله عليه و سلم فهو باطل وكل قولة لعالم جاءت مخالفة لصريح القرآن المحكم ولصريح قول رسول الله صلي الله عليه و سلم فحرام الفتوى بها وإن دخلت فى كتب الفقه لأن الفتوى بالقول المخالف لنص القرآن أو الحديث كفر صريح مع العلم به(1).
ولكن بالرغم من كل هذا الذى يعلن به الشيخ التجانى رضي الله عنه يأبى خصومه - وهم خصوم الحق - فى كل زمان ومكان إلا أن ينسبوه إلى مخالفة الشريعة ومفارقتها ألا يتقون الله ؟!! ألا يخافون يوماً تتقلب فيه القلوب والأبصار؟!!(2).
الدس فى النسخة المطبوعة من كتاب ( جواهر المعاني ):
يقول الشيخ إبراهيم نياس: وأنا أملك نسخة من جواهر المعانى بخط المؤلف الخليفة الحاج على حرازم برادة رضي الله عنه وهى التى كانت فى حوزة الشيخ الختم التجانى رضي الله عنه مدة ستة عشر عاماً كما حدثنى به شيخى ووالدى الخليفة التجانى بسنغال الحاج عبد الله بن سيّدى محمد عن سيّدى البشير بن سيّدى محمد الحبيب بن الشيخ التجانى رضي الله عنهم وسيّدى البشير هو الذى أعطى هذه النسخة التاريخية الممتازة لوالدى رحمه الله عام ألف وثلاثمائة وتسعة وعشرين من الهجرة عندما اجتمع به بفاس المحروسة وأقرّر هنا حقيقة لها قيمتها العظمى وهى أن النسخ المطبوعة من الجواهر وهى المتداولة بين الإخوان تحتوى على أشياء كثيرة لاوجود لها فى نسخة المؤلف وقد تحققت ذلك لأنى قد درست كتاب جواهر المعانى عدة مرات لأفواج كثيرة من كبار الطلبة التجانيين وبمحضر جماعات من علمائهم فى مدرستى وكنت دائماً أستعمل نسختى المخطوطة وهم يتابعون بالنسخة المطبوعة وكنت أنبههم دائماً على الزيادات الموجودة فى كتبهم والتى لا توجد فى نسخة المؤلف ومن جملة هذه الزيادات المقصد الأحمدى فلا وجود له فى نسختى أصلاً .
ولقد أخبرت الخليفة التجانى بمصر الشيخ محمد الحافظ بهذه الحقيقة فاستعار منّى النسخة ليدرسها مع مجموعة من العلماء التجانيين منهم عمدة مدينة الإسماعيلية وقد ثبت لهم بالدراسة المقارنة صحة ما قلت لهم وعند ذلك طلب منّى الأخ المذكور أن أقرّر ذلك كتابة يحتفظ بها وينشرها عند الحاجة فساعدته على ما طلب.
وإننى على استعداد للتعاون مع كل من يريد بحث هذه المسألة فالنسخة الأصلية المذكورة لم تزل عندى ولله الحمد كما أنى اطلعت على النسخة التى كتبها الشيخ محمد الحافظ التجانى العلوى الشنقيطى فرأيتها موافقة لنسختى ولا غرو فإنّ الدس فى كتب العلماء قديم ومعروف لدى الباحثين وأسبابه متعددة ونحن والحمد لله على بصيرة من أمر طريقتنا التجانية المحمدية المباركة(1).
مقتطفات من أقوال الشيخ التجانى:
ولنورد هنا مقتطفات من أقوال الشيخ التجانى رضي الله عنه وكل من اطلع عليها علم براءة الشيخ التجانى من التهم المنسوبة إليه وإلى أهل طريقته ….. فمن جملة ما نسبوه إليه أنّه يفضل صلاة الفاتح على القرآن فلنسمع قوله الذى يبطل به هذا الاتهام الكاذب قال رضي الله عنه:
الكلام على التفضيل بين الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم وبين تلاوة القرآن أما تفضيل القرآن على جميع الكلام من الأذكار والصلاة على النبى صلي الله عليه و سلم وغيره من الكلام فأمر أوضح من الشمس كما هو معلوم فى استقراءات الشرع وأصوله شهدت به الآثار الصحيحة(2).
إن لصلاة الفاتح فضل عظيم قد بينه الشيخ التجانى ولكن هنالك مسألة أغفلها جميع المنكرين على فضل صلاة الفاتح وهى أنّ هذا التفضيل إنما هو بين ثواب صلاة الفاتح وبين ثواب نوافل الأعمال ولا مدخل لفرائض الله فى هذه المقارنة والموازنة لأنّ فرائض الله أفضل من صلاة الفاتح(3).
قال الشيخ التجانى: هذا الفضل المذكور فيما دون الفرائض أما هى فلا لحديث: (أى الأعمال أفضل يا رسول الله قال صلي الله عليه و سلم الصلاة لأول وقتها)(4).
بل إن صلاة الفاتح ليست أفضل من تلاوة القرآن قال الشيخ التجانى:
فإن قلت ربما يطلع بعض القاصرين ومن لا علم له بسعة الفضل والكرم فيقول إذا كان هذا كما ذكر فينبغى الاشتغال به أولى من كل ذكر حتى القرآن قلنا له بل تلاوة القرآن أولى لأنها مطلوبة شرعاً لأجل الفضل الذى ورد فيه ولكونه أساس الشريعة وبساط المعاملة الإلهية ولما ورد فى تركه من الوعيد الشديد فلهذا لا يحل لقارئه ترك تلاوته أما فضل الصلاة التى نحن بصددها فإنها من باب التخيير لا شئ على من تركها وثانياً إن هذا الباب ليس موضعاً للبحث والجدال بل هو من فضائل الأعمال وأنت خبير بما قاله العلماء فى فضائل الأعمال من عدم المناقشة فيها.
قال الخصوم إن الشيخ التجانى فضل نفسه على الصحابة وهو يقول:
اعلم أن الذى فى مرتبته صلي الله عليه و سلم من تجليات الصفات والأسماء والحقائق لا مطمع فى دركه لأحد من أكابر أولى العزم من الرسل فضلاً عمن دونهم من النبيين والمرسلين عليهم الصلاة والسلام وأن الذى فى مرتبة أولى العزم من الرسل لا مطمع لأحد فى دركه من عموم المرسلين وأنّ الذى فى مرتبة الرسالة لا مطمع في دركه لأحد من عموم النبيين والذى فى مرتبة النبوة لا مطمع فى دركه لأحد من عموم الأقطاب وإن الذى فى مرتبة القطبانية لا مطمع لأحد فى دركه من عموم الصديقيين(1).
وقال رضي الله عنه: كل واحد من الصحابة الذين بلّغوا الدين مكتوب فى صحيفته جميع أعمال من بعده من وقته إلى آخر هذه الأمة فإذا فهم هذا ففضل الصحابة لا مطمع فيه لمن بعدهم(2).
قال الخصوم إنّ الشيخ التجانى جاء بتشريع جديد وهو يقول:
التشريع بإحداث حكم لم يكن سابقاً طلباً للفعل أو طلباً للترك أو تعبداً أو إباحة أو نقض حكم سابق فى الشريعة فتبدل بحكم آخر فهذا لا سبيل للأولياء إليه إذ هو متوقف على النبوة فقط(3).
وقال أيضاً: إن الحكم المقرر فى الشرائع من الرسل عليهم الصلاة والسلام لا ينحل عقده إلا بنبوة وأما الولاية فليس فى وسعها هذا(4).
قال الخصوم إن طريقته تدعو إلى الأمن من مكر الله وهو يقول:
لا أمان من مكر الله وان بلغ العبد من الله ما بلغ فى الإصطفاء والإجتباء(5).
وقال أيضا: "إياكم والعياذ بالله من لباس حلة الأمان من مكر الله فى مقارفة الذنوب باعتقاد العبد أنّه آمن من مؤاخذة الله له فى ذلك فإنّ من وقف هذا الموقف بين يدى الحق تعالى ودام عليه فهو دليل على أنه يموت كافراً والعياذ بالله(6).
نسب الخصوم إليه القول بأن النبى صلي الله عليه و سلم كتم الورد وهو يقول كما فى جواهر المعانى قلت للشيخ التجانى رضي الله عنه هل يطرأ النسيان على الرسل قبل تبليغ ما أمروا به كما طرأ بعد التبليغ؟
قال: لا.. ولو نسى شيئا" مما أمر بتبليغه إلى الخلق لبعث إليه الملك وذكره به ليتمّ الدين الذى أراده سبحانه وتعالى لأنّه هو الحافظ له حتى يكمل ما أراده من شرعه(1).
هذا هو قول الشيخ التجانى رضي الله عنه فانظر هل يلتئم مع ما يبهته به خصومه ؟ وإذا كان الشيخ التجانى رضي الله عنه يعتقد إن الرسل لا ينسون ما أمروا بتبليغه فكيف يعتقد فيهم أنهم يكتمون ما أمروا بتبليغه(2).
هذه مقتطفات يسيرة من كلام الشيخ التيجانى تفضح أكاذيب المفترين وتثبت براءته وتبرهن على جلالة قدره وعلو كعبه ..كيف لا وهو الامام الفقيه العلامة المتمكن فى شرع الله تعالى والمستمسك بسنّة رسول الله صلي الله عليه و سلم طوال حياته كما شهد له بذلك معاصروه وهم الأكابر الفحول والأئمة الفضلاء فكانوا أولى الناس بالإنكار عليه لو كان فعلاً يقول بمثل هذه الأباطيل …ماذا يعنى سكوتهم عن بيان وجه الحق فى هذه المسائل ؟!وهم يعلمون جيِّداً أن الساكت عن الحق شيطان أخرس!!! ماذا يعنى ثناءهم العاطر عليه فى سائر كتب التراجم والسير ؟!! إنه يعنى أن الرجل كان فوق أهل عصره بمراحل علماً وعملاً وزهداً وورعاً واستقامةً وفضلاً ومعرفةً وولاية.ً
والناس أكيس من أن يحمدوا رجلاً من غير أن يروا عليه آثار إحسان
نماذج من أجوبته على المسائل العلمية:
مسألة جليلة: فى الفرق بين الحقيقة والطريقة والشريعة:
سئل الشيخ التجانى رضي الله عنه عن الفرق بين الحقيقة والطريقة والشريعة فأجاب بقوله:
الحقيقة هى رفع الحجب عن مطالعة الحضرة القدسية وهى المعبر عنها بالمشاهدة وعلومها المنسوبة إليها تارة تطلق على ما يبرز للمشاهد من الحضرة القدسية من العلوم والمعارف والأسرار والفيوض والحِكم وأحوال اليقين إلى غير ذلك وتارة تطلق على علوم الحقيقة على ما يلزم العبد فى وقت المشاهدة من علوم الآداب وعلوم الخطاب وعلم ما يلزمه اجتنابه فى وقت المشاهدة وعلم ما يلزمه تحمله فى وقت المشاهدة فهذه حقيقة الحقيقة.
وحقيقة الشريعة هى الأمر الذى جاء به الشارع صلي الله عليه و سلم أمراً ونهياً وإباحة ما نص عليه صلي الله عليه و سلم ونص الله عليه فى كتابه من جميع الأمور ومما يؤول إلى ذلك استنباط المجتهدين فهذه هى الشريعة وعلومها.
وأما الطريقة: فهي واسطة بين الشريعة والحقيقة فإنما هى الشريعة اللازمة لأرباب الوصول والحقائق وهى غير الشريعة التى يخاطب بها العوام وأرباب الرسوم وحدّها الجامع لها هو قولهم:حسنات الأبرار سيئات المقربين وعلوم الطريق هى كل علم يدعو إلى انسلاخ العبد من حظوظه وشهواته وتبّريّه من مشاهدة حوله وقوته ومباعدته عن كل ما يقتضى جلب مصلحة لنفسه أو لغيرها ودفع مضرة عن نفسه أو غيرها بإيوائها إلى جانب الحق سبحانه وتعالى وبالعلم بكل ما يدعو إلى وقوف العبد مع الله تعالى فى صميم التوحيد وخروجه عن الغير والغيرية علماً وعملاً وحالاً وتخلقاً والرسوخ فى مقام الرضا والتسليم والغرق في بحر التفويض والاستسلام فهذه هى الطريقة وعلومها والسلام ثم قال رضي الله عنه: القطب عصم شريعته بحقيقته وستر حقيقته بشريعته اهـ(1).
سئل الشيخ التجانى رضي الله عنه: هل خبر سيّد الوجود صلي الله عليه و سلم بعد موته كحياته سواء؟ فأجاب رضي الله عنه بما نصه قال:
الأمر العام الذى كان ياتيه عاماً للأمة طوى بساط ذلك بعد موته صلي الله عليه و سلم وبقى الأمر الخاص الذى كان يلقيه للخاص فإن ذلك فى حياته وبعد مماته دائماً لا ينقطع …. ومن توهم أنه صلي الله عليه و سلم انقطع جميع مدده عن أمته بموته صلي الله عليه و سلم كسائر الأموات فقد جهل رتبة النبى صلي الله عليه و سلم وأساء الأدب معه ويخشى عليه أن يموت كافراً إن لم يتب عن هذا الاعتقاد اهـ(2).
سئل الشيخ التجانى رضي الله عنه عن معنى قوله صلي الله عليه و سلم حفت الجنة بالمكاره وحفت النار بالشهوات؟ فأجاب رضي الله عنه بقوله:
اعلم أنّ الله تبارك وتعالى من محض فضله وجوده وكرمه يغفر من الذنوب العظام بالكرب والشدائد والمصائب مالا يغفره بكثرة الأعمال الصالحات حتى يتمنّى العبد يوم القيامة أنه لم يصف له وقت من الأوقات فإنَّ الله إذا عرض على العبد أعماله فى صحيفة يقرأ فيها من الذنوب فإذا وجد فى صحيفته كرباً ألمّ به يقول الله له سبحانه وتعالى بهذا الكرب غفرنا لك ما تقدم من ذنوبك وأعطيناك عليه كذا وكذا ثم يمضى قارئاً يقرأ ذنوبه كلّما مرّ بكرب من الكروب فى صحيفته يقول له غفرنا لك ما تقدم من ذنوبك وأعطيناك عليه كذا وكذا من الثواب إلى آخر صحيفته حتى يتمنّى أنّه ما صفا له وقت من الدنيا وهذا هو مظهر الحديث فى قوله صلي الله عليه و سلم (عجب ربك من قوم يقادون إلى الجنة بالسلاسل) وهم أصحاب الكروب والشدائد وهذا مصداق قوله صلي الله عليه و سلم حفت الجنة الحديث اهـ(1).
وصية إلى كافة الإخوان أينما كانوا:
ولنختم هذا البحث بهذه الوصية الجامعة النافعة التى كتبها الشيخ التجانى إلى كافة الإخوان أينما كانوا … ووصاياه كثيرة ومن تأملها وجدها دالة على رسوخ قدم قائلها فى مقام الدلالة على الله تعالى وبلوغه الغاية القصوى فى كمال النصيحة والشفقة على خلق الله . قال رضي الله عنه بعد البسملة والصلاة على رسول الله وبعد:
فأوصيكم بما أوصى الله به قال سبحانه وتعالى: {ولقد وصينا الذين أوتوا الكتاب من قبلكم وإياكم أن اتقوا الله} وقال سبحانه وتعالى: {شرع لكم من الدين ما وصى به نوحاً إلى قوله كبر على المشركين} وقال سبحانه: {واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا} وقال سبحانه وتعالى: {ومن يتق الله يجعل له مخرجاً.. إلى قوله: { قدراً} {ومن يتق الله يجعل له من أمره يسراً} إلى قوله: {ويعظم له أجراً} واعلموا أنّ التقوى قد صعب مرامها وتناءت بعداً عن أن تمد بيد أحد خطامها واحتكامها وكلّت الهمم دونها فلا يصل بيد أحد أساسها واحتكامها لما طبعت عليه القلوب والنفوس من الإدبار عن الله وعن أمره بكل وجه واعتبار ووحلها فى رتع أحوال البشرية وحلاً لا مطمع لها فى الانفكاك عنه وهذا حال أهل العصر فى كل بلد من كل ما على الأرض إلا الشاذ النادر الذى عصمه الله تعالى وبسبب ما ذكرنا هاج بحر الأهوال والفتن وطما بحر المصائب والمحن وغرق الناس فيه كل الغرق وصار العبد كلما سأل النجاة من مصيبة وعصم منها اكتنفته مصائب وفى هذا قيل سيأتى على الناس زمان تتراكم فيه بحور المحن والفتن فلا ينفع فيه إلا دعاء كدعاء الغريق وليكن ملازمتكم الأمر المنجى مما ذكرنا أو المطفئ لأكثر نيرانه وهو كثرة الاستغفار والصلاة على النبى صلي الله عليه و سلم وذكر لا إله إلا الله مجردة وذكر لا إله إلا أنت سبحانك إنى كنت من الظالمين وقول حسبنا الله ونعم الوكيل فإنه بقدر الاكثار من الأذكار تتناءى عن العبد كثرة المصائب وشرور الأوزار وبقدر تقليله منها يقل بعده عن المصائب والشرور وليكن لكل واحد منكم قدر من هذه الأذكار على قدر الطاقة وعليكم بكثرة التضرع والابتهال لمن له كمال العز والجلال فإن الله رحيم بعباده ودود فإنه أكرم وأعظم فضلاً من أن يتضرع إليه متضرع أحاطت به المصائب والأحزان ومد إليه يده مستعطفاً نواله راجياً كرمه وأفضاله أن يرده خائباً أو يعرض عنه برحمته والعاجز من عجز حتى عن التضرع والابتهال ومن ضيع نفسه من الله فلا جابر له وليكن لكم بباب الله لمات على مرور الساعات وكرور الأوقات فإن من اعتاد ذلك فى كرور أوقاته غشيه من رحمة الله ونفحاته ما يكون ماحقاً لمصائبه وكدوراته ومسهلاً لثقل أعباء ما ثقل عليه من ملماته فإنه سبحانه وتعالى غنى كريم يستحى لكرمه إذا رأى عبداً قد تعود الوقوف ببابه ولو قل فى أقل الأوقات أن يسلمه للمصائب التى لا مخرج له منها أو يكدحه بهلكة يعزعليه الخلاص منها احفظوا هذا العهد واركضوا فى هذا الميدان ولو فى أقل قليل من مرور اليوم والليلة تجدو التيسير فى جميع الأمور والخلاص من كثير من الشرور وإن قدر الواحد أن يكون تضرعه فى كل يوم وليلة بهذا الدعاء وهو:
إلهنا أنت المحرك والمسكن لكل ما وقع فى الوجود من الخيرات والشرور وفى حكمك الحل والعقد لجميع الأمور وبيدك وعن مشيئتك تصاريف الأقدار والقضاء المقدور وأنت أعلم بعجزنا وضعفنا وذهاب حولنا وقوتنا عن تباعدنا مما يحل بنا من الشرور وعن اتصالنا بما نريد الوقوع فيه من الخيرات أو ما يلائم أغراضنا فى جميع الأمور وقد وقفنا ببابك والتجأنا بجنابك ووقفنا على أعتابك مستغيثين بك فى صرف ما يحل بنا من الشرور وما ينزل بنا من الهلاك مما يجرى به تعاقب الدهور مما لا قدرة لنا على تحمله ولا قوة بنا على طلّه فضلاً عن وبله وأنت العفو الكريم والمجيد الرحيم الذى ما استغاث بك مستغيث إلا أغثته ولا توجّه إليك مكروب يشكو كربه إلا فرجته ولا ناداك ضرير من أليم بلائه إلا عافيته ورحمته وهذا مقام المستغيث بك والملتجئ إليك فارحم ذلى وتضرعى بين يديك وكن لى عوناً وناصراً ودافعاً لكل ما يحل بى من المصائب والأحزان ولا تجعل عظائم دنوبى حاجبة لما ينـزل إلينا من فضلك ولا مانعة لما تتحفنا به من طولك وعاملنا في جميع ذنوبنــا بعفوك وغفرانك وفى جميع زلاتنا وعثراتنا برحمتك وإحسانك فإنا لفضلك راجون وعلى كرمك معولون ولنوالك سائلون ولكمال عزك وجلالك متضرعون فلا تجعل حظنا منك الخيبة والحرمان ولا تنيلنا من فضلك الطرد والخذلان فإنك أكرم من وقف ببابه السائلون وأوسع مجداً من كل من طمع فيه الطامعون فإنه لك المنّ الأعظم والجناب الأكرم وأنت أعظم كرماً وأعلى مجداً من أن يستغيث بك مستغيث فترده خائباً أو يستعطف أحد نوالك متضرعاً إليك فيكون حظه منك الحرمان لا اله إلا أنت يا على يا عظيم يا مجيد يا كريم يا واسع الجود يا بر يا رحيم عشرين مرة تذكر هذه الأسماء من قولك لا اله إلا أنت إلى آخره ثم صلاة الفاتح لما أغلق عشراً فى أوله وعشراً فى آخره فإن المداومة لهذا الدعاء فى كل ليلة سبعاً أو خمساً أو ثلاثاً تدفع عنه كثيراً من المصائب والأحزان وإن تحتم نزولها نزل به لطف عظيم انتهى من إملائه رضي الله عنه(1).
خاتمــــــة
لعله قد استبان لكل منصف من خلال ما سقناه وأوردناه فى هذا البحث من الكتب المعتمدة عند التجانية بأنها طريقة صوفية مؤسسة على الكتاب والسنّة وأن كل الاتهامات الباطلة التى يرميهم بها الخصوم هم منها مبرئون وعقيدة التجانيين هى عقيدة أهل السنّة والجماعة والسلف الصالح والميزان عندهم هو شرع الله القويم فما قبله فهو مقبول عندهم وما خالفه فهم أبعد الناس عنه.
وقد ظل كبار رجال الطريقة منذ نشأتها وإلى يومنا هذا يؤولون القول المخالف لظواهر الشرع المنسوب إلى الشيخ التجانى رضي الله عنه ويردون مالا يقبل التأويل وهذه هى القاعدة التى قامت على أساسها هذه الطريقة حيث قال الشيخ التجانى رضي الله عنه: إذا سمعتم عنى شيئاً فزنوه بميزان الشرع فإن وافق فاعلموا به وإن خالف فاتركوه.
لهذا فإن التجانيين لا يعولون إلا على ما وافق شرعه صلي الله عليه و سلم وليست مشاهد الأولياء بحجة وإنما الحجة هى الشريعة المحمدية أما تلك فمبشرات مقيّدة بشرعه الشريف ما قبله منها قبلناه وما لم يقبله فمذهبنا فيه حسن الظن فنحكم عليها حكم الرؤيا المؤولة ولا شك أن معظم الرؤيا يحتاج إلى التأويل وإنما رجحنا حسن الظن لأن المؤمن الذى يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله صلي الله عليه و سلم وهو شحيح بدينه حريص على متابعته نستبعد عليه أن يتعمد الكذب على رسول الله صلي الله عليه و سلم - واليقظة فى ذلك كالنوم - وهو يقرأ قوله عليه الصلاة والسلام (من كذب علىّ متعمداً فليتبوأ مقعده من النار).
وهذه الطريقة التجانية التى يشن عليه الخصوم الغارات تلو الغارات قد انضوى تحت لوائها العلماء وحفاظ الحديث وأئمة الفقه من مشارق الأرض ومغاربها وقد انتشرت انتشاراً واسعاً فى سائر بلاد الاسلام وانتمى إليها الملايين من خيار هذه الأمة المباركة التى لا تجتمع على ضلالة وحصل لهم بها الانتفاع والترقى فى مدارج القرب وظهرت عليهم آثار الولاية والصلاح وشيوخ الطريقة أينما وجدوا هم أعلام التقى ومنارات الهدى وسادات أهل التربية والإرشاد .
والشيخ التجانى رضي الله عنه قد شهد له معاصروه بأنه كان آية من آيات الله فى العلم والمعرفة والرسوخ والتمكين والورع والتقوى والولاية التى لم يشاركه بكمال الظهور الذى ظهر به أحد قبله ولا بعده لأنه الختم الأكبر والوارث الأشهر الذى ختم الله به الولاية المحمدية.
مصادر البحث
اسم الكتاب المؤلف
1- جواهر المعانى وبلوغ الأمانى على حرازم
2- رماح حزب الرحيم على نحور حزب الرجيم عمر بن سعيد الفوتى
3- بغية المستفيد لشرح منية المريد العربى بن السائح
4- الجيش الكفيل بأخذ الثأر ممن سل علىالشيخ التجانى صار الإنكار. محمد الصغير التشيتى
5- الدرة الخريدة شرح الياقوتة الفريدة محمد بن عبد الواحد النظيفى
6- كشف الحجاب عمن تلاقى مع الشيخ التجانى من الأصحاب أحمد سكيرج العياشى
7- رفع النقاب بعد كشف الحجاب أحمد سكيرج العياشى
8- الإفادة الأحمدية الطيب السفيانى
9- الفتح الربانى فما يحتاج إليه المريد التجانى محمد بن عبد الله الطصفاوى
10- الواردات محمد بن المختار
11- إفادة التجانى مصطفى العلوى
12- قصد السبيل فى الطريقة التجانية محمد الحافظ التجانى
13- أحزاب وأوراد محمد الحافظ التجانى
14- رد أكاذيب المفترين على أهل اليقين محمد الحافظ التجانى
15- أهل الحق العارفون بالله السادة الصوفية محمد الحافظ التجانى
16- الرد على الافريقى دفاعاً عن الطريقة التجانية عمر مسعود محمد التجانى
17- التجانية وخصومهم والقول الحق عمر مسعود محمد التجانى
18- الرد على الفئة الطاعنة فى الآداب المائة عمر مسعود محمد التجانى
19- إطفاء القنديل عمر مسعود محمد التجانى
20- الرد على الطنطاوى عمر مسعود محمد التجانى
21- الجهاد في سبيل الله روح التصوف الاسلامى عمر مسعود محمد التجانى
22- كاشف الألباس عن فيضة الختم أبى العباس إبراهيم نياس الكولخى
23- البيان والتبيين عن التجانية والتجانيين إبراهيم نياس الكولخى
24- هذه هى التجانية أحمد بن أحمد التجانى ابراهيم
25- المغير ابراهيم صالح الحسينى
26- التجانية والمستقبل الفاتح النور
27- ختم الولاية المحمدية عبد الله محمد عثمان الزبير التجانى
28- شرح صحيح مسلم محى الدين النووى
29- الرسالة القشيرية أبو القاسم القشيرى
30- مذكرات الدعوة والداعية حسن البنا
31- حاضر العالم الاسلامى شكيب أرسلان
32- المسلمون والاستعمار الأوربى لافريقيا عبد الله عبد الرزاق
33- إنتشار الاسلام فى القارة الأفريقية حسن ابراهيم حسن