-->
الرسائل

الرسائل

الرسائل
المكتبة
جاري التحميل ...
المكتبة

انتشار الطّريقة المباركة: العوامل والأسباب


                                       انتشار الطّريقة  المباركة: العوامل والأسباب . 
بقلم الاستاذ محمد اقبال-الاردن
إنه ليجدر بنا التساؤل عن السر الذي جعل هاته الطريقة المباركة بعد توفيق الله سبحانه ـ تحظى بهذا القبول ، والإنتشار العالمي ، وعن الأسباب التي جعلت أعداد المنتسبين إليها في العالم يصل إلى مئات الملايين .ولعلنا نستطيع أن نحصر هاته الأسباب في عاملين رئيسيين : 
1 ـ عوامل تتعلق بشخصية مؤسس الطريقة .

إنّنا ، وحين نتكلم عن شخصية الشيخ سيدي أحمد التجاني رضي الله عنه ، لا نتكلم عن شخصية عادية إطلاقا . إننا نتكلم عن شخصية حملت من الصفات ما يمكنّها من أن تحظى ـ وتعاليمها ـ بهذا القبول والإنتشار ، ودون فرض أو إكراه . وتأمّل في سيرة هذا الرجل تجد نفسك أمام رجل شريف النسب ، حسن الأخلاق ، تحلّى بها منذ صباه ، حفظ القرآن صغيرا ودرّس بل وأفتى كذلك . طاف العالم ، وساح في الأرض طالبا الحقيقة الحقة والعلم الصحيح ، جمع بين علم الظاهر والباطن (الشريعة والحقيقة) فكان موسوعي المعارف ، واضح البيان ، قويّ البرهان . فذلك الذي أخضع له أولي العرفان فتبعه فطاحل العلماء ، ومن بعدهم عامّة الناس . قال صاحب المنية : 
فجعل الناس من الأقطار يأتونه محبّة الأسرار 

وقبل هذا وذاك فإنه قد بلغ أعلى مراتب الولاية ، فهو القطب المكتوم ، وكفى بذلك مقاما .
قال فيه سيدي محمد الكتاني في كتابه (سلوك الأنفاس) : « كان رحمه الله أحد العلماء العاملين ، والأئمة المجتهدين ، جمع بين شرف الجرثومة والدين ، وشرف العلم والعمل واليقين ، والأحوال الربانية ، والمقامات العليّة » . 
2 ـ عوامل تتعلق بطبيعة الطريقة ذاتها وتعاليمها .

فهي ـ أيّ الطريقة التجانية ـ وبالإضافة إلى ثبات الإذن المحمّدي في تلقينها : « ليست فكرا عقائديا يدرس الديانات المختلفة ، وليست مذهبا فقهيا يتناول الخلافات المذهبية ، وليست حزبا سياسيا يطمح للسلطة ، بل هي منهج تربوي ، قولي وعملي ، يهتمّ بتربية الإسلامية.
ولذلك فإنها تأخذ بالمنهجية الوسطية المعتدلة ، وتدعو إلى لمحبة في الله ، والتعاون على البرّ والتقوى : « فالمتحابّون يظلّهم الله في ظلّه يوم لا ظلّ إلاّ ظلّه » .
ومن مظاهر الوسطية في هاته الطريقة تيسير أورادها في الآداء ، وفي الزمان والمكان . فالأمر وعلى حدّ تعبير مؤسسها رضي الله عنه في إحدى رسائله : « بيّن السلوك لمن وفّقه الله هيّن ، فإنها حنيفية سمحة وذلك لخفة ما يطلب من الذكر ، وسعة الوقت في الورد » . 
وبسبب يسر هذه الأذكار ـ حصولا عليها وآداء لها ـ ، يجد المريد راحة عظيمة واطمئنانا ، ويفتح أمامه بابا واسعا للتطهّر من الذنوب.

كذلك فإن هاته الطريقة تفرض الدعوة إلى الله بمنهج يرفض كل مظاهر العنف والإكراه وفرض الرأي ، ويرفض كل تعصّب فكري أو مذهبي . فالطريقة تحترم كل المذاهب الفقهية السنّية الصحيحة لأنّ كل الأئمة على حق . قال صاحب الرماح : « فالكلّ سنيّ عدل مَرْ ضي ، لا يستنكف أحد منهم أن يرجع إلى أخيه في الصواب » . 
 . لذلك نجد التجانيين مالكيين في البلاد التي يكون أهلها مالكيين ، وشافعيين إذا كانوا كذلك وهكذا .
إن الطريقة تربي مريديها على الواقعية في نظرتهم للحياة . فالزاهد ليس ذاك الذي يعتزل الناس والدنيا ، بل يتّخذ من : « الدنيا مطية للآخرة » . فقد يملك الدنيا لكنه لا يترك لها مجالا كي تمتلكه ، إنها الوسيلة لا الغاية . 
كما أنها ـ ومن منظورها الواقعي ـ تدعو إلى نشر روح المحبة والإخاء ، واحترام الرأي الآخر ، واحترام سيادة الشعوب والأوطان ، ورفض كل مظاهر التفرقة والفتن والصراعات . كما تدعو إلى مسايرة ممنهجة إلى ما يحدث في العالم من تقدّم ورقيّ حضاري .
وما يمكننا استخلاصه في الأخير أن الطريقة التجانية ـ ومن ثَمَّ التجانيون ـ وأمام هذا الإنتشار الكبير في العالم ، فإنها كانت ، ولا زالت ، وستبقى بإذن الله تعالى تؤدّي دورا فعّالا ، يحتاج إلى تطوير دائم ، في خدمة الإسلام والمسلمين ، بل الإنسانية جمعاء في شتّى بقاع العالم ، ولا يمكن أن نحصي ثمار جهود مشائخها وعلمائها ومريديها أيضا .
إلاّ أنه يمك القول ـ على سبيل الذكر لا الحصر ـ أنّ الإمام القدوة سيدي أحمد التجاني رضي الله عنه كان سيد المدافعين عن الكتاب والسنة ، ناشرا لتعاليم الدين السمح الوسطي المعتدل ، وهكذا خلفاؤه ومريدوه من بعده ، فنجحوا في نشر الإسلام في مناطق كثيرة في العالم ـ خاصة إفريقيا ـ ودخل الناس على أيديهم إلى الإسلام أفواجا ، وحاربوا الوثنية والإلحاد والإباحية .
لقد وقفوا في وجه المد التنصيري وحتى اليهودي والإستعماري في إفريقيا خاصة ، إذ بنوا الزوايا والمعاهد الإسلامية ، وسعوا إلى إصلاح ذات البين بين المجتمعات صغيرها وكبيرها ، وساعدوا المحتاج وناصروا المظلوم ، وأصلحوا القلوب بالإعلاء من قيمة الذكر والعبادة القائمة على حسن الأدب مع الله ، وأناروا العقول بنشر العلم الصحيح المؤصّل ، وهذبوا السلوك بحسن التربية وحسن الظن بالله وعباده ، دافعوا عن الهدي المحمدي ، وناصروا سنته ، وأحبوا آل بيته وصحبه واقتدوا بهم ، ترفعوا عن مطالب الدنيا وزخرفها وعن كل مظاهر العجب والرياء . إنهم خدّام الإسلام الحق بحق ، ذلك الإسلام القائم على حسن الإعتقاد وحسن العبادة وحسن المعاملة ، الرافض لكل أنواع الغلو والتطرف والتعصب .
خلّف التجانيون تراثا فكريا ضخما ، ورجالا عظماء ، نحن في حاجة إلى التوجّه ـ وباعتناء وصدق ، وتنسيق بين ذوي الجهود الخيّرة من التجانيين وغيرهم ـ للإطلاع على هذا التراث ، والإستفادة منه ، والإفادة به .
 ، فجزى الله عنا وعن الإسلام خيرا هذا القطب الرباني المكتوم .
وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه ، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

التعليقات



إذا أعجبك محتوى مدونتنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد المدونة السريع ليصلك جديد المدونة أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

إتصل بنا

عدد مرات مشاهدة

جميع الحقوق محفوظة

الطريقة التيجانية المباركة

2016