-->
الرسائل

الرسائل

الرسائل
المكتبة
جاري التحميل ...
المكتبة

وصية سيدي محمدالحافظ التجاني

وصية سيدي محمدالحافظ التجاني المصري رضي الله عنه وعنا به آمين 
بسم الله الرحمن الرحيم اللهم صل على سيدنا محمد الفاتح لما اغلق والخاتم لما سبق ناصر الحق بالحق والهادي الى صراطك المستقيم وعلى آله حق قدره ومقداره العظيم
ووصيتي لنفسي ولإخواني، ولمن أحب إخلاص العبودية للحق -تبارك وتعالى:
أن يعلم أن تمحيص العبودية لله هو الولاية الحقة، وما دام بقلبك حب لظهور كرامتك فهو علة، وكل علة أقل ما فيها القطعية عن جناب الله عز وجل، فاخرج من الأكوان إلى المكوِّن، وانتقل من الحادث إلى القديم، وأسلم نفسك لله يفعل بك ما يشاء، وميز الحق من الباطل، واعلم أن إسلامك نفسك، إما أن يكون لله، فتكون أسلمت نفسك لله حقًّا، وإلا فقد أسلمت نفسك لنفسك، واعلم أن الحق إذا خلق فيك الطاعة، فقد خلق فيك الاستسلام له، وإن خلق فيك المعصية، فقد خلق فيك الاستسلام لنفسك، ولله الحجة عليك، فما أجرى على يديك إلا ما تستحق أن يُخلق لك، ولله المنة في كل ذلك، فقد سترك في المعصية؛ لتشاهد بره في الستر، وأمهلك؛ لتشاهد حلمه في الإمهال، وأيقظ همتك للتوبة؛ لتشاهد كرمه الفياض في دلالتك عليه، ويقبلها منك، ثم يجازيك عليها حتى كأنها صدرت عنك، فإذا كانت هذه بعض النعم عليك في المعصية، وهى لا تُقَدَّرُ، فما بالُك بنعمه عليك سبحانه في الطاعة وغيرها، فضع النعم في مواضعها، فهي أمانة لله عندك، وكان الأحرى بك أن تلتمس أعضاءً غير التي خلقها لك الحق لتعصيه بها، فليس من المروءة أن تستعمل نعمته في ما لا يرضيه.
ولا تأمن مكر الله -عز وجل- ولو بُشِّرت بالجنة، واعلم أن اتكالك في المعصية على رحمة الحق، من مكر الله تبارك شأنه، وقد قال تعالى: فلا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون، ولا يدخل حضرة الأمن، فيكون ممن قال الحق عز وجل فيهم:  أولئك لهم الأمن وهم مهتدون- إلا من استدام خوفُه، وتوالت رهبته من الله تعالى.
فاتهم نفسك حتى وهي في الطاعة، فلعل فيها للشياطين مدخل، وللأغيار مجال، وحسبك معصية أن تحتجب بطاعتك عمن خلقها لك، والرجاء طبع في النفوس، وسرُّ ذلك: تجلي الحق على العرش وما تحته بالمجلى الرحماني، وما كتب عز وجل على نفسه: كتب ربكم على نفسه الرحمة ، فاجتهد في الخوف حتى يتساوى لديك هو والرجاء، واعمل لله شكرًا، بحيث لو تحققت أنك من أهل الجنة، أو أيقنت أنك من أهل النار، لم يكن ذلك مغيرًا لما أنت عليه من القيام بحقوق العبودية لسيدك، جل وجهه ، وعز جاهه …
وأول الوصول خلع العادة، فإذا لم تتغير منك العادة، فلتعلم أنك محروم منه سبحانه؛ إذ لم تقم له مقام التوبة الصادقة، قال تعالى: ومن لم يتب فأولئك هم الظالمون.
فإذا تفضل الله عليك، نشلك من غيره إليه، ودلَّك به عليه، وإن من الأسباب الداعية إلى التوبة، والوصول إلى التمكين الحق، أن تتوضأ قبل دخول الوقت، وتنتظره في بيت من بيوت الله عز وجل، للدخول إلى حضرته، والإفضاء بحاجات الروح لدى عزته؛ فإن ذلك من أنجع الأدوية، الصارفة للقلب إلى الله عز شأنه، القاهرة للروح على الإنابة والإخبات إليه تبارك وتعالى.
ولتكن راحتك فى الله لا في سواه، بحيث تكتفي بإقامة الحق لك بين يديه لحظة عن النفس والنفيس، والأقارب والخلان، والأحباب والأخدان، والراحة والجاه، والعافية والحياة، لا لشيء مما يتبع لك من النعم، سوى أن ذلك حق وكمال، وحسبك هو جزاء عليه، فهو الفردوس الأعلى والنور الأجلى، وغيره مضيعة وقطعية، كم يكون شكرك له عز وجل، إذا آنسك به هنيهة وقربك منه لمحة؟! فما بالك لو دامت لك الوصلة، وبانت عنك الغصة!
وإن عزَّ عليك انقيادُ نفسك إليك، فأكثر من تلاوة قوله تعالى: حسبنا الله ونعم الوكيل، وسورة النصرإذا جاء نصر الله والفتح * ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجاً * فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان توابا.
وإن الصلاة والسلام على رسول الله ، كفيلة للعبد بسائر المقاصد، الدنيوية والأخروية، متى ذكرت مع الأدب الكامل، إجلالًا وتعظيمًا لله ولرسوله ؛ فإن الصلاة على رسول الله  لا تُرد على أية حال، من كل من قُضِيَ له بالإسلام، وصحَّ عنه عليه الصلاة والسلام: "من صلى علي صلاة واحدة، صلى الله عليه عشرًا"، وقد قال تعالى: هو الذي يصلى عليكم وملائكته ليخرجكم من الظلمات إلى النور.
وإذا لم تستطع أن تحب في الله، فأحب أحباب الله؛ فحبيب الحبيب حبيب، وحبيب العدو عدو، وإذا فاتك جلوسك مع الحق، فاجلس مع من يجالس الحق؛ فالمرء على دين خليله، وقد صح عنه عليه الصلاة والسلام: «إنما الجليس الصالح والجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير .. الحديث» (رواه الشيخان عن أبي موسى رضى الله تعالى عنه).
وليكن حبك لهم لله، فقد روى مالك بإسناد صحيح، وابن حبان في «صحيحه» عن أبى إدريس الخولاني قال: دخلت مسجد دمشق فإذا فتى براق الثنايا، وإذا الناس معه، فإذا اختلفوا في شيء أسندوه إليه وصدروا عن رأيه، فسألت عنه، فقيل هذا معاذ بن جبل، فلما كان من الغد هجرت ، فوجدته قد سبقني بالتهجير، ووجدته يصلى، فانتظرته حتى قضى صلاته، ثم جئته من قبل وجهه فسلمت عليه، ثم قلت له: والله أنى لأحبك لله، فقال: آلله؟ فقلت: آلله، فقال: آلله، فأخذ بحبوة ردائي فجذبني إليه، فقال: أبشر فإني سمعت رسول الله ، يقول: «قال الله تبارك وتعالى: وجبت محبتي للمتحابين في والمتجالسين في والمتزاورين في وللمتباذلين في».
واعلم يا أخي .. أن كتاب الله عز وجل، جماع الحقائق، والشفاء النافع، والعصمة والنجاة، والنور والحياة، والحق والكمال، وثبت عن السيدة عائشة رضي الله عنها أنها قالت، عن رسول الله : «كان خلقه القرآن»، وقد قال تعالى: قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله، ويفهم في معنى «كان خلقه القرآن»: أنه  قد انطبق عليه كل ما أثني الله عليه في الكتاب، فهو القرآن السائر، ونور الألباب، وهدى البصائر، والاتباع الحق، والاقتداء الصدق.
وعليك يا أخي أن تكون كذلك في ظاهرك وباطنك، ولا تنظر حرامًا، ولا تسمع حرامًا، ولا تشم ولا تذوق ولا تبصر ولا تمس حرامًا، ولا تنطق بحرام، ولا تكشف عورتك على حرام، ولا تسعى إلى حرام، وعمّر ذلك كله بما يحبه الله منك ويرضى به عنك.
وأكثر من ذكر الله عز وجل، بجميع أنواعه، كقراءة القرآن، والصلاة على رسوله صلى الله عليه وسلم، ولا يجولن في باطنك غير الحق عز جاهه، ولا يخطرن على قلبك سواه جل شأنه، وليكن مقصودك الحق، فما فات من وجد الله شيء.
لكل شيء إذا فارقته عوض .. وليس لله إن فارقت من عوض
واعلم أن من أحل الله به فضله، لن ينزعه عنه، والأمور بخواتيمها، واعلم أن كل لحظة تمر عليك غير ثابت الوصلة بالله، يصدق عليك بنوع ما، إطلاق قوله تعالى: (ومن أعرض عن ذكرى فإن له معيشة ضنكا).
فمن اهتدي بهدي الرسول صلى الله عليه وسلم فقد اهتدى، ومن التمس الهدى في غيره فقد اعتدى، قال تعالى:  لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة، وقد بين الرسول صلى الله عليه وسلم أحسن البيان وأجلى التبيان، ولا يفهم أهل الحق من التأسي به صلى الله عليه وسلم ، إلا أن يكون كما كان عليه الصلاة والسلام، خلقه القرآن، في محبة الله عز وجل، ومحبته عليه الصلاة والسلام، ومؤثرًا لهما كما قال صلى الله عليه وسلم: «ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود إلى الكفر كما يكره أن يقذف في النار»، ومفهوم هذا: أن يحب الرسول صلى الله عليه وسلم أكثر من نفسه ومن أهله، والجنة وما فيها.
فاسلك يا أخي -رعاك الله- نهج المصطفى وحسبك قعودًا، ولا تجعل سوى الحق لك مقصودًا، وعلى ذلك كان الرعيل الأول ما عدل فيهم أحد عن الأثر وما تحول، واعلم أن هذا هو المراد في أمره تعالى بالاعتصام بالكتاب، وقد بينه الرسول صلى الله عليه وسلم بالحال والمقال، فمن نحا نحوه حسن منه الحال والمقال، قال تعالى:  قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين يهدى به الله من اتبع رضوانه سبل السلام ويخرجهم من الظلمات إلى النور بإذنه ويهديهم إلى صراط مستقيم، وقال أيضًا عز وجل:  وأنزلناه عليك الكتاب تبيانا لكل شئ وهدى ورحمة وبشرى للمسلمين. صدق الله العظيم.

التعليقات



إذا أعجبك محتوى مدونتنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد المدونة السريع ليصلك جديد المدونة أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

إتصل بنا

عدد مرات مشاهدة

جميع الحقوق محفوظة

الطريقة التيجانية المباركة

2016